دراسة : جيل الشباب الحالي الأقل من 30 سنة، أكثر يسارية وليبرالية من الأجيال السابقة
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الفكرة السائدة عن جيل الشباب الحالي الأقل من 30 سنة، أو بالتحديد ما يعرف بـ Gen Z، هو أنه جيل أكثر يسارية وليبرالية من الأجيال السابقة، وهذا صحيح لو أخذنا هذا الجيل كله ككتلة واحدة. لكن لو دققنا في الأمر، سيظهر لنا مشهد مختلف تماما يتضمن مفارقة غريبة حيث نجد هذا الجيل مفرطا في تقدميته في مسائل معينة ومحافظا جدا في مسائل أخرى.
▪️بحسب دراسة نشرتها صحيفة الفاينانشال تايمز في بداية السنة الجارية شملت الدول الغربية وبعض الدول غير الغربية مثل الصين وكوريا الجنوبية وتونس، يتضح لنا أن تلك المفارقة تعبر في الحقيقة عن توسع الهوة الأيديولوجية بين الذكور والإناث؛ حيث أصبح الذكور أكثر محافظة بالمقارنة مع آبائهم، وأصبحت الإناث أكثر تقدمية من أمهاتهن. وكانت كوريا الجنوبية صاحبة الهوة الأوسع بفارق يتجاوز 50 نقطة بين الذكور والإناث.
▪️نأتي الآن إلى محاولة فهم الأرقام وسبب هذه الهوة بين الجنسين ولدى هذا الجيل بالتحديد. ولفهم هكذا ظاهرة لا بد لنا من محاولة تجنب العامل الواحد الذي يخترل كل شيء (كل الاقتراحات مرحب بها).
1 - الفروق الطبيعية بين الذكور والإناث من حيث الثورة/المحافظة: حيث نلمس لدى الذكور ومنذ الصغر ميولاً- تكاد تكون غريزية- نحو الراديكالية والثورة والتمرد على القوانين والسلطة، لهذا نجد أن الذكور هم قوام الثورات (الثورات الحقيقية وليس ثورات المراهقات) و أنهم أكثر من نجدهم في السجون. في المقابل تميل الإناث نحو المحافظة لكونهن الحلقة الأضعف في حال أي اضطراب سياسي واجتماعي، ولأنهن يبحثن غريزيا عن الاستقرار نظرا لكونهن المكلفات بالحمل والرعاية. والمحافظة هنا تُفهم بالمعنى الحرفي للكلمة وليس بالمعنى الاصطلاحي السائد؛ بمعنى أن النساء يفضلن المحافظة على ما هو سائد، أي الأفكار التقدمية التي تهيمن حاليا على العالم كله تقريبا بدرجات متفاوتة. في حين يفضل الذكور الحركات والأحزاب الرجعية التي تعتبر ثورية في عصر تقدمي. ومن تجليات هذا الفارق التزايد الرهيب في نسبة من يعرفن أنفسهن بالشذوذ مقارنة بالذكور، حيث نجد أن 28,5% من بنات هذا الجيل في الولايات المتحدة يعرفن أنفسهن بالشذوذ مقابل 10,6 للذكور، في حين أن هذه النسبة كانت قبل ثلاثة أجيال (جيل البومرز والثورة الجنسية) 1,9% للإناث و2,7% للذكور (تأثير السائد والموضة واضح جدا)
2 - ميل الإناث نحو التسامح مع الخطأ وتقديم الحجج العاطفية مقابل ميل الذكور نحو النظام والحجج الصارمة: وهذا ما يتجسد في الواقع بعدم اهتمام الأنثى بالشأن العام إلا ضمن ما يؤثر مباشرة على الشأن الخاص، ومن هنا يجد التقدميون صعوبة في دمجها في الحياة السياسية رغم ما يقدمونه من تسهيلات وتمييز إيجابي. وحتى عندما تنخرط الأنثى في الشأن العام فإنها تدخله في غالب الأحيان من باب النسوية (ذاتها)، في حين يفضل الرجل القضايا المجردة التي تتجاوز ذاته كشخص، فنرى لديه تصلبا أقوى في قضايا تتعلق بالمهاجرين أو المتحولين جنسيا ..إلخ (طبعا هذه "الإطلاقات" تثير غيظ المعاصرين، وهذا الممتع فيها)
3 - ميزان الربح والخسارة: ترى الإناث أن الحركات التقدمية تمنحهن مميزات أكثر، في حين أن الذكور يعتبرون أن الحركات التقدمية ذهبت إلى حد أصبحوا معه الخاسرين في اللعبة سواءً في التعليم أو العمل أو الأسرة، وبالتالي أصبحوا يشعرون بالضياع ويبحثون عن طرق لقلب الطاولة بما عليها (هذا لا يشمل الأقلية المهيمنة من الذكور).
ملاحظة: التمرد والمحافظة ليستا فضيلتين في حد ذاتهما دون طرح سؤال: "على ماذا؟". وبالتالي لا يعيب المرأة محافظتها ولا يشرف الذكر تمرده، وإلا فلا معنى لمقولة: "الرجل والمرأة يكملان بعضهما البعض". المراهقون فقط هم من يتحدثون عن تكامل الأدوار بين الجنسين ثم يعيبون على المرأة أدوارها.
الوحيد الذي يقع هنا في أزمة تناقض هو التقدمي الذي لطالما جعل التمرد لمجرد التمرد (التمردقراطية) الفضيلة العظمى ومغادرة القطيع هدفا ساميا في حد ذاته لينتهي به الأمر فردا في أكبر قطيع في التاريخ.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat