صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

في ظلال طوفان الأقصى 10 كلماتٌ في وداع أخي الشهيد وأطفاله الشهداء
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لسنا وحدنا دون سائر أهلنا، ولا نختلف شيئاً عن شعبنا، ولا نقبل إلا أن نكون منه ومثله، يسعنا ما يسعه، ويصيبنا ما يصيبه، نفرح معه ونحزن معه، فما من بيتٍ في قطاع غزة إلا وناله نصيبٌ من القصف الصهيوني الغادر، إذ تشير إحصائيات المؤسسات المدنية الأهلية والأجنبية، أن أكثر من 60% من مساكن وبيوت ومساجد وأسواق ومخابز ومحال ومتاجر قطاع غزة قد دمرت بدرجةٍ كليةٍ أو بنسبةٍ لا تقل عن 50%.

وأنه ما من عائلةٍ فلسطينية إلا ابتليت بنقصٍ في الأموال والأنفس والثمرت، وأن بعض العائلات قد شطب اسمها من السجل المدني، إذ طال القصف بيوتها الآمنة، وهم فيها مجتمعين ظناً منهم أنهم في مأمنٍ من هذا العدو الغدار، فما نجا منهم طفلٌ رضيعٌ، ولا صبية يافعة، ولا رجلٌ كبيرٌ أو شيخٌ في السن طاعن، ولا امرأة مسنة أو مريضة، أو شابة وصغيرة، وعائلاتٌ أخرى انتقصت من أطرافها، وطال القصف فروعها، فاستشهد منها العشرات دفعةً واحدةً، في غاراتٍ ليليةٍ تعمدت قصف المدنيين وهم نيام، حيث لا كهرباء ولا ماء ولا طعام، كما لا أمان ولا سلام ولا اطمئنان.

هذا هو حال شعبنا العظيم في قطاع غزة، الذي رفض شماله النزوح إلى جنوبه، فأصاب جنوبه ما أصاب شماله، حتى بلغ عدد الشهداء في اليوم العشرين من العدوان أكثر من تسعة آلاف شهيد، من بينهم قرابة الألفي مفقود تحت ركام البيوت المدمرة، إذ أن الصواريخ الجديدة، الأمريكية الصنع، التي يستخدمها جيش العدو بالتعاون مع القوات الأمريكية، تفتت البيوت وتحولها إلى ركامٍ، فلا يبقى من جدرانها وسقوفها سوى حجارة صغيرة، تدفن تحتها أعداداً كبيرة من الفلسطينيين، الذين يستشهد أكثرهم تحت الركام اختناقاً، لصعوبة اكتشافه أو الوصول إليه.

نحن من هذا الشعب وجزءٌ أصيلٌ منه، أحزننا كثيراً أن قصف العدو بيت عائلتنا الأصيل الجامع في مخيم جباليا، فدمره كلياً على كل من كان فيه، وهو الذي تعرض للقصف مراتٍ كثيرة خلال الحروب السابقة، إلا أننا كنا نعيد بناءه وترميمه، ليبقى محتفظاً بمكانته ورمزيته بيننا، إذ فيه ولدت وأخوتي العشرة وأختاي، وفيه نشأنا وترعرعنا، وكبرنا وتعلمنا، ومنه خرج الشهداء وانتمى الأبناء إلى قوى المقاومة، التي عملوا معها وتحت رايتها.

لكن القصف هذه المرة لم يطل البنيان الذي انهار، ولا الجدران التي تفتت، وإنما استهدف من كان فيه من المدنيين، فاستشهد نتيجة الغارة أخي رائد، المقاوم الجريح، العامل بصمتٍ في الإعداد والتسليح، واستشهدت معه زوجتاه وسبعة من أبنائه، كلهم من الأطفال، إلى جانب كثيرين من أنسبائه وأطفالهم الذين لجأوا إلى بيته، واحتموا في داره، فنالهم الشرف الذي ناله، والتحقوا معه إلى جانب كل شهداء شعبنا العظيم إلى مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.

رحمة الله على شهداء شعبنا الفلسطيني كله، وعلى كل شهداء المقاومة، الذين يرسمون اليوم بدمائهم خطوط مرحلةٍ جديدة، ويطرقون بأيديهم المضرجة بالدماء أبواب الجنان، ومعها أبواب القدس وفلسطين، وينتزعون بالقوة مفاتيح المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، لتكون لنا ومعنا إلى الأبد، فطوبى لكم أيها الشهداء، وهنيئاً لك أخي شهادتك، وجمعك الله بمن ارتحل معك، وأبلغ سلامنا لأبينا الذي أحسن إلينا إذ ربانا، ولأخوينا الذين سبقا، فتحي الذي قضى شهيداً في السجن، وفؤاد الذي رحل بعد أن دك المستوطنات الإسرائيلية بصواريخ المقاومة.

حزنت لفراقك أخي رائد، البسام الضحوك، العفوي البريء، الجريح المعاني، وقد بكيت لغيابك إذ لم أرك منذ سنين طويلة، ولكنني تشرفت بك، ورفعت الرأس عالياً بأنني أخوك وشقيقك، فأنت وأطفالك الذين احتضنتهم ورفعتهم معك، قد زدتنا شرفاً، ورفعت مقامنا قدراً، وجعلت لنا عند الله عز وجل ذكراً، فسلام الله عليك أخي وعلى من معك أجمعين، سلام الله عليكم في الخالدين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/10/27



كتابة تعليق لموضوع : في ظلال طوفان الأقصى 10 كلماتٌ في وداع أخي الشهيد وأطفاله الشهداء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net