تركيا في كركوك

ما حدث في كركوك مؤخراً هو أكبر من نزاع على بناية، فمن شيّد تلك البناية على أرض تابعة لوزارة المالية وأهداها إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني قادر على أن يشيد غيرها، لكنها بالنسبة لهذا الحزب تمثل استعادة هيبة في كركوك، بعدما طردوا منها في عمليات فرض القانون عام 2017. لذلك كانت هذه البناية أحد شروط الديمقراطي للموافقة على دخول ائتلاف إدارة الدولة وتضمين ذلك في البرنامج الوزاري. في المقابل، يرى عرب كركوك في إعادة تسليم المقر إلى الحزب الديمقراطي عودة لسلطة الحزب في المدينة، خصوصا أن هذا المقر كان مركز حكم "الديمقراطي" للمدينة في مرحلة ما قبل 2017 بما تتضمنه من اعتقالات وعمليات تعذيب وقتل حسب هؤلاء.

عامل آخر يزيد من إصرار الديمقراطي على التمسك بالمقر المتقدم، هو قربها من مقر حزب الاتحاد الوطني، المنافس الشديد، الذي عاد إليه مؤخراً، وتعود ملكيتها لوزارة المالية الاتحادية ايضاً. الاتحاد يرى في كركوك منطقة نفوذه السابقة التي يكاد يخسرها لصالح الديمقراطي. الأخير يرى في عودة هيبته أمام أكراد كركوك، بعودته إلى هذا المقر، مكسباً انتخابيا يوفر له ما لا يقل عن ٢٥ الف صوت كردي يزيد بهم عدد مقاعده في مجلس المحافظة القادم، وهذا ما تريده تركيا عبر موفدها ومدير سياساتها الخارجية منذ سنوات، خصوصا في العراق وسوريا، وزير الخارجية هاكان فيدان.

الترتيب الذي يجري العمل عليه بدعم من أنقرة هو إيصال محافظ من الحزب الديمقراطي الكردستاني الحليف لأنقرة، وأغلبية لهذا الحزب في مجلس المحافظة بتحالف مع أغلب العرب السنة وقليل من التركمان السنّة. لتضمن انقرة كركوك منطقة نفوذ لها من خلال أغلب مكوناتها، وليس الاقتصار على التركمان التي تقول إنها يئست منهم، والواقع أن عددهم لا يتيح لها هيمنة كاملة تؤمن عملية ربط ستراتيجي للمحافظة بها، كما فعلت مع أربيل ودهوك. كثير من زعماء العرب في كركوك منحوا الجنسية التركية، وبات لهم منازل ومصالح اقتصادية في تركيا. الخطة التركية تستثني شيعة كركوك وكذلك حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، لأنها تعتبرهم الأقرب إلى إيران منها.

السعي التركي إلى توسيع رقعة التمدد في شمال العراق يحقق هدفين، الأول: مواجهة النفوذ الإيراني في منطقة شمال العراق، والذي تراه تهديدا لمصالحها الستراتيجية، وهو هاجس قديم دفع تركيا إلى اقتراح فرض منطقة حظر جوي شمال العراق عام 1991 عنوانه منع هجرة الاكراد اليها، وحقيقته الخوف من وصول النفوذ الإيراني إلى تلك المنطقة فيما لو ضعف أو سقط نظام صدام بعد طرده من الكويت. بل أن هاجس تركيا من وصول النفوذ الإيراني إلى حدودها، دفع الرئيس التركي تورغوت أوزال عام 1991 إلى التلويح بحق تركيا باستعادة ولاية الموصل، استنادا إلى تقرير عصبة الأمم، الذي اقترح ضم ولاية الموصل (كردستان الحالية ومحافظة الموصل) إلى العراق شرط التزام العراق بعدة أمور بينها وضع الاكراد.

بعد ذلك بدأ أوزال بالتنظير لبديل الضمّ بسبب صعوبته، فاقترح تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات: عربية وكردية وتركمانية، ثم تقوم الدويلتان الكردية والتركمانية بالانضمام إلى تركيا في اتحاد فيدرالي أو كونفدرالي في خريطة تركيّة، باتت الصحافة التركية تسميها خارطة أوزال.

ربما يكون حزب العدالة والتنمية اختار طريقا آخر لتنفيذ هذا المشروع، بدون ضمّ ولا اتحاد بل بجعل ولاية "الموصل السابقة"، بما فيها محافظتا الموصل وكركوك مناطق نفوذ غير رسمي، وربما لا تكون الاحداث الحالية بعيدة عن هذا المشروع.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/09/12



كتابة تعليق لموضوع : تركيا في كركوك
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net