أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ العاشِرة (٢٢)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر

{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ}.
قد يظنُّ البَعض أَنَّ الصنميَّة هي التي تعني فقط عِبادة النَّاس لرمزٍ من الرُّموز بدلاً عن الله تعالى! أَبداً، ليسَ الأَمرُ كذلكَ، فإِنَّ مُجرَّد الطَّاعة في معصيةٍ هي كذلكَصنميَّة.
تعالُوا نمرُّ على هذهِ الرِّوايات التي تشرح هذا الموضُوع بشَكلٍ دقيقٍ حتَّى لا نكونَ ضحيَّة اللَّبس في الأَمرِ فنعبُدَ صنماً من دونِ أَن نشعرَ ومِن دونِ أَن نُريدَ ونرغب أَونحتسِب {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} فالغفلةُ هي بدايةِ الوقُوعِ في الخطأ وبابُالإِنحرافِ!.
يقولُ رسولُ الله (ص) في قولهِ تعالى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ} {أَما إِنَّهم لم يكونُوا يعبدُونهُم ولكنَّهُم كانُوا إِذا أَحلُّوا لهُم شيئاً استحلُّوهُ وإِذاحرَّمُوا عليهِم شيئاً حرَّمُوه}.
وعَن صادقِ أَهلُ البَيت (ع) جعفَر بن مُحمَّد (ع) في تفسيرهِ للآيةِ {والله ما صلُّوا لهُم ولا صامُوا ولكنَّهُم أَحلُّوا لهُم حراماً وحرَّمُوا عليهِم حلالاً فاتَّبعُوهُم}.
وعنهُ (ع) أَيضاً {أَما والله ما دعَوهُم إِلى عبادةِ أَنفسهِم ولَو دعَوهُم إِلى عبادةِ أَنفسهِم ما أَجابوهُم ولكِن أَحلُّوا لهُم حراماً وحرَّمُوا عليهِم حلالاً فعبدُوهُم مِن حيث لايشعرُون}.
ولخطورةِ مرض الصنميَّة الذي يُلغي شخصيَّة الإِنسان الفَرد والإِنسان المُجتمع، لدرجةِ أَنَّهُما يتصوَّران أَنَّ المسؤُوليَّة تسقُط عنهُما بوجُودِ البديل، لذلكَ فإِنَّ أَميرَ المُؤمِنينَ(ع) حاربَ هذا المرَض بِلا هوادةٍ من خلالِ ثلاثِ خُطواتٍ أَساسيَّةٍ؛
الأُولى؛ مُحاربةِ التَّقديس المُزيَّف فلقد قالَ (ع) {وَقَدْ لَقِيَهُ عِنْدَ مَسِيرِهِ إِلَى الشَّامِ دَهَاقِينُ الْأَنْبَارِ فَتَرَجَّلُوا لَهُ وَاشْتَدُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ؛ مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمُوهُ؟! فَقَالُوا خُلُقٌمِنَّا نُعَظِّمُ بِهِ أُمَرَاءَنَا فَقَالَ؛ وَاللَّهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهَذَا أُمَرَاؤُكُمْ وَإِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ وَتَشْقَوْنَ بِهِ فِي آخِرَتِكُمْ وَمَا أَخْسَرَ الْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ وَأَرْبَحَ الدَّعَةَ مَعَهَاالْأَمَانُ مِنَ النَّارِ} وقولهُ (ع) {فَلَا تُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ وَلَا تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ وَلَا تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ}.
الثَّانية؛ الحث والتَّحريض على المَشوَرة ليُحسِّس المُواطن بشخصيَّتهِ ووجُودهِ وأَهميَّتهِ في الدَّولة فلا يتصوَّر أَنَّه زائِدٌ إِلى جانبِ الحاكمِ، يقُولُ (ع) {وَلَا تَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالًافِي حَقٍّ قِيلَ لِي وَلَا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوِ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ فَلَا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍفَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِئَ وَلَا آمَنُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي إِلَّا أَنْ يَكْفِيَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي فَإِنَّمَا أَنَا وَأَنْتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُوكُونَ لِرَبٍّ لَا رَبَّ غَيْرُهُ يَمْلِكُ مِنَّا مَا لَانَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا وَأَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إِلَى مَا صَلَحْنَا عَلَيْهِ فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلَالَةِ بِالْهُدَى وَأَعْطَانَا الْبَصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى}.
الثَّالِثة؛ نشر ثقافة الحقُوق والواجِبات كمُعادلةٍ مُتساويِةٍ ومنظُومةٍ مُتكامِلةٍ خاصَّةً بينَ الرَّاعي والرعيَّة [السُّلطة والشَّعب] فلقد قالَ (ع) {أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِيعَلَيْكُمْ حَقّاً بِوِلَايَةِ أَمْرِكُمْ وَلَكُمْ عَلَيَّ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لِي عَلَيْكُمْ فَالْحَقُّ أَوْسَعُ الْأَشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ وَأَضْيَقُهَا فِي التَّنَاصُفِ لَا يَجْرِي لِأَحَدٍ إِلَّا جَرَى عَلَيْهِ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ إِلَّاجَرَى لَهُ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْرِيَ لَهُ وَلَا يَجْرِيَ عَلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ خَالِصاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَلِعَدْلِهِ فِي كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ صُرُوفُ قَضَائِهِ وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَحَقَّهُ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوهُ وَجَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَيْهِ مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ تَفَضُّلًا مِنْهُ وَتَوَسُّعاً بِمَا هُوَ مِنَ الْمَزِيدِ أَهْلُهُ} ويضيف (ع) {ثُمَّ جَعَلَ سُبْحَانَهُ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَالِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي وُجُوهِهَا وَيُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً وَلَا يُسْتَوْجَبُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ. وَأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ سُبْحَانَهُ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَىالرَّعِيَّةِ وَحَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَى الْوَالِي فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِكُلٍّ عَلَى كُلٍّ فَجَعَلَهَا نِظَاماً لِأُلْفَتِهِمْ وَعِزّاً لِدِينِهِمْ فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْوُلَاةِ وَلَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ إِلَّابِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ فَإِذَا أَدَّتْ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ وَأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ وَجَرَتْ عَلَى أَذْلَالِهَا السُّنَنُ فَصَلَحَ بِذَلِكَالزَّمَانُ وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الْأَعْدَاءِ. وَإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ وَكَثُرَ الْإِدْغَالُ فِي الدِّينِوَتُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ فَعُمِلَ بِالْهَوَى وَعُطِّلَتِ الْأَحْكَامُ وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ فَلَا يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ وَلَا لِعَظِيمِ بَاطِلٍ فُعِلَ فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الْأَبْرَارُ وَتَعِزُّ الْأَشْرَارُ}.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat