صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

تأمين المستوطنين حلمٌ لا يتحققُ وغايةٌ لا تدركُ
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ما من رئيس حكومةٍ إسرائيلي خلال حملته الانتخابية وأثناء ولايته الحكومية، إلا ويدعي أن هدفه الأول هو حماية المستوطنين وتأمين حياتهم، ومنع الاعتداء والتشويش عليهم، ووقف عمليات الفلسطينيين ضدهم، وإنهاء تهديد المقاومة لهم، وتفكيك قدراتها الهجومية، ومنعها من إطلاق صواريخها على المستوطنات، أو القيام بأنشطة وفعاليات من شأنها إرباك حياتهم، وتعطيل مشاريعهم.

لكن الواقع كان دائماً يكذبهم، والحوادث على الأرض تفضحهم، والحقائق التي تسجلها المقاومة ضدهم تخزيهم وتلحق العار بهم، فقد كان رؤساء الحكومات قبل المستوطنين يفرون كالجرذان ويهربون بأنفسهم عند سماعهم لأصوات صافرات الإنذار، أو عند سقوط صواريخ بالقرب منهم، وقد سجلت عدسات المصورين وتقارير الإعلاميين، لحظات نزول المسؤولين الإسرائيليين عن منصات الخطابة، وتركهم لجمهورهم من المستوطنين يتلقون الصواريخ ويتعرضون لأخطارها وحدهم.

وليس هذا هو حال رؤساء الحكومات الإسرائيلية فقط، بل إن المصير نفسه تلقاه أكثر من رئيسٍ لأركان جيش العدو ووزراء حربه، الذين اعتادوا على البخترة في شوارع المستوطنات، والتظاهر بالقوة والعظمة والتفوق والقدرة على الردع، والتشدق بعبارات التطمين والادعاء بالأمان، إلا أن المستوطنين أنفسهم ما عادوا يصدقونهم ويؤمنون بوعودهم، وقد رأوا بأنفسهم عدداً من رؤساء الحكومة ووزراء الحرب الذين أسقطتهم المقاومة، ومرغت أنوفهم بالتراب، وأرغمتهم على الاستقالة أو التراجع عن سياستهم والكف عن إطلاق التهديدات الفارغة والوعود الكاذبة.

رسائل التطمين ومحاولات التظاهر بالقدرة على حماية المستوطنين، لا تقتصر على مستوطنات الغلاف حول قطاع غزة، التي اعتادت المقاومة أن تمطرها من حينٍ لآخر بصواريخها التي غدت دقيقة، أو تغزوها ببالوناتها الحارقة التي أصبحت تصل إلى البيوت والمساكن، والمعامل والمصانع، والمزارع والحقول، وتشعل الأرض ناراً حول المستوطنين، وتجبرهم على الهروب إلى الملاجئ، والاحتماء بها من حمم البالونات الحارقة التي قد تتطور قريباً إلى طائراتٍ مسيرةٍ وبالوناتٍ موجهة، قادرة على حمل مواد متفجرة أكثر، وإصابةِ أهدافٍ أبعد وبدقةٍ أكبر.

لكن المقاومة الفلسطينية ما عادت تستهدف المستوطنين في غلاف قطاع غزة فقط، بل باتت تلاحقهم في كل الأرض الفلسطينية، وتصطادهم في كل مدنها وبلداتها، وتداهمهم في سياراتهم وأماكن عملهم، وتلاحقهم أثناء محاولاتهم العدوان والتخريب على الفلسطينيين، وتستهدف الجنود في ثكناتهم وخلال دورياتهم، وتنال منهم على الطرقات وعلى محطات الانتظار، حتى بات العدو يعترف أن كلفة عمليات المقاومة الفلسطينية أصبحت كبيرة، وخسائرهم بسببها غدت كثيرة وهي في ازديادٍ مستمر، وتشير احصائيات العام الماضي 2022 وبدايات العام الحالي أنهم فقدوا ما يزيد على الستين مستوطناً، فضلاً عن إصابة العشرات بإصاباتٍ بليغة، قد لا تزول آثارها ولا يشفى المصابون منها لسنواتٍ طويلةٍ.

أمام هذا الواقع المذهل للإسرائيليين، لا تتوقف قيادة أركان جيشهم إلى جانب الخطابات العامة والزيارات المتكررة لمناطق التوتر، عن تنفيذ المناورات العسكرية المختلفة، التي تحمل أسماءَ عديدة، ولكنها تتفق في هدف حماية المستوطنين وتأمين حياتهم، وتشارك فيها وحداتٌ عسكرية وأخرى مدنية طبية ونفسية ودفاعية، في محاولةٍ من قيادة الأركان لإرسال رسائل مزدوجة إلى المقاومة والمستوطنين معاً، ترهب فيها الأولى وتطمئن الثانية، لكنها لا تنجح في توصيل الرسالة الأولى كما تفشل دائماً في تحقيق هدفها من الرسالة الثانية.

رغم هذه المحاولات المحمومة وغيرها، فإن أحداً من المسؤولين الإسرائيليين لم يتمكن حتى اليوم من تحقيق هذا الحلم، ولا يبدو في الأفق البعيد أو القريب أنهم سيحققونه، رغم أنهم صادروا مئات آلاف الدونمات من أصحابها الفلسطينيين بحجة حماية المستوطنين، وبنوا مئات المستوطنات عليها، وشقوا الطرق وحاصروا المدن والبلدات الفلسطينية، وزرعوا معسكرات الجيش وثكناته في مختلف أرجاء الضفة الغربية.

ورغم أنهم أخضعوا الأرض الفلسطينية كلها لتبقى تحت نظر وسمع جيشهم وأجهزتهم الأمنية، ولم يبقوا فيها شبراً واحداً دون مراقبة ورصدٍ ومتابعة، فالأقمار الاصطناعية الإسرائيلية والأمريكية تعمل ليل نهار على تصوير كل شيءٍ في فلسطين، ومتابعة كل تغيير وتسليط الضوء على كل جديدٍ، ومئات آلاف الكاميرات الثابتة والمتحركة المنتشرة في أرجاء الضفة الغربية تسجل وتصور، وعشرات المناطيد الطائرة والطائرات المسيرة، وأجهزة التنصت والمتابعة، والمجسات الحرارية وأجهزة الإنذار المبكر، إلى جانب عيونهم التجسسية وعملائهم وأجهزة التنسيق الأمني المشتركة، إلا أن أحلامهم بأمن مستوطنيهم ما زالت ضائعة، وأهدافهم المرجوة ما زالت بعيدة.

لم تعد حياة المستوطنين آمنة، ولا طرقهم سالكة، ولا حياتهم سهلة ولا عيشهم رغداً، ولن يشعروا بالأمان في أي مكانٍ في فلسطين، حتى في قلب تل أبيب التي يظنون أن الفلسطينيين لا يستطيعون الدخول إليها، فقد وصلها الفدائيون ونفذوا فيها أروع وأضخم العمليات، التي غدت للمقاومين نموذجاً ومثالاً، وللمستوطنين رعباً وهلعاً، ولا يبدو في الأفق إلا أنها ستتكرر بأشد منها وأقوى، فقد أصبحت ميدان تنافسٍ وإبداعٍ وتقليدٍ ومحاكاةٍ بين الفلسطينيين، وما زال المستوطنون يعيشون لياليها وأيامها العصيبة كوابيس تؤرقهم في نومهم، وتحيل نهاراً حياتهم نكدة.

على المستوطنين أن يدركوا أن الفلسطينيين لن يتركوهم يعيثون في أرضهم فساداً، ويعتدون عليهم ويقتلونهم، وينتهكون حرمة بيوتهم ويحرقونها، ويصادرون أرضهم ويهدمون مساكنهم، ويحرمونهم من حقوقهم ويبالغون في الإساءة إليهم، بل سيتصدون لهم وسيواجهونهم، وسيقاومونهم وسيقاتلونهم، ولن يتخلوا عن حقوقهم أو يلقوا سلاحهم حتى تتطهر أرضهم من رجسهم، وتخلو بلادهم منهم، فهذه فلسطينهم التاريخية، وهي أرضهم ووطنهم وأرض آبائهم وأجدادهم، التي ورثوها بحقٍ عبر الزمن، وسيحافظون عليها بالدم مهما غلا الثمن.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/02/14



كتابة تعليق لموضوع : تأمين المستوطنين حلمٌ لا يتحققُ وغايةٌ لا تدركُ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net