خطط التعيينات الوظيفية.. سد لنقص الكوادر أم إرضاء للجمهور على حساب المصلحة العامة؟

خطط التعيينات الوظيفية التي أعلنت عنها الحكومة العراقية مؤخراً لفتت الأنظار، فرغم انها قد تلقى صدى إيجابياً لدى العديد من الشرائح العاطلة عن العمل، إلا انها طرحت تساؤلات عما إذا جرى التخطيط السليم لها والغرض الحقيقي لطرحها، ما بين سد نقص الكوادر أو إرضاء الجمهور على حساب المصلحة العامة.

ولم تمض سوى أيام على تشكيل الحكومة الجديدة، حتى بدأت بالإعلان عن منح مالية لقطاعات اجتماعية واسعة، في ظل التوجه لتثبيت أصحاب العقود وأنباء عن تضمين الموازنة مئات الآلاف من الدرجات الوظيفية، الأمر الذي اعتبره مراقبون وخبراء اقتصاديون “رشوة” للشعب، وسط إجماعهم على ضرورة تفعيل القطاع الخاص والصناعة المحلية، بدلا من التعيينات ومنح الأموال من دون تخطيط.

ويقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، إن “كثرة التعيينات في الموازنة وإعطاء الأموال تعتبر رشوة للشعب، وهذه السُنة بدأت منذ عام 2008 في أيام حكومة المالكي الأولى، حيث بدأت بتوسيع التعيينات ليس على أساس الحاجة وإنما لغرض الكسب الانتخابي”.

ويضيف المشهداني أن “كل رئيس حكومة يريد إرضاء جمهوره على حساب المصلحة العامة، والدليل على ذلك أصبح الترهل الوظيفي كبيرا في قطاعات كثيرة، لكن المشكلة أن هناك بعض القطاعات تعاني عجزا في كوادرها، مثل وزارتي التربية والصحة اللتين توقف التعيين فيهما منذ عام 2010، فليس من الممكن في أي دولة من دول العالم أن يتم الاعتماد على المعلمين المجانيين لمدة 15 سنة”.

يذكر أن تظاهرات كبيرة شهدتها العاصمة بغداد يوم أمس الثلاثاء، من قبل أصحاب العقود للمطالبة بتثبيتهم على الملاك الدائم، فضلا عن تظاهرات أخرى للخريجين للمطالبة بتعيينهم.

يشار إلى أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أعلن يوم أمس أن مجلس الوزراء قرر تعيين حملة الشهادات العليا والأوائل والبالغ عددهم 47 ألفا.

إلى ذلك، يفيد مصدر مطلع بأن “موازنة العام المقبل، من الوارد أن تتضمن 600 ألف درجة وظيفية، في خطوة لامتصاص غضب الشارع والحد من التظاهرات المستمرة المطالبة بالتعيين وتشغيل الشباب”.

ويضيف المصدر، أن “هذه الفقرة لم تحسم لغاية الآن، وما زال النقاش دائرا حولها، لكن طرحها جاء بناء على وجود وفرة مالية كبيرة ممكن أن تغطي نفقات هذه الدرجات الوظيفية الجديدة”.

وأعلن وزير الثقافة الجديد، قبل يومين أن منحة الصحفيين والأدباء والفنانين السنوية، سيتم صرفها بشكل منتظم وستزيد قيمتها المالية.

كما كشف وزير التربية، عن توجه الوزارة لصرف مبالغ شهرية لطلبة المرحلة الابتدائية، في خطوة للحد من تسربهم لخارج المدارس.

وتعرف مثل هذه الحالة بين المختصين في العلوم الاجتماعية، بـ”الزبائنية” التي تقوم بها الحكومات أو أصحاب السلطة والنفوذ وتهدف إلى كسب الولاء وتوسيع دائرة المناصرين والمؤيدين.

من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي باسم جميل أنطوان، إلى أن “هناك منهاجا وزاريا هو من يحدد احتياج كل قطاع من 10 قطاعات، وهناك مطالب أساسية في كل منها، وبعضها وارد في الدستور، ويبقى أن تهتم التخصيصات بالقطاعات الأساسية، خاصة التعليم والصحة، لأنها جزء من الرأسمال البشري الذي له دور مميز لديمومة حياة البلد”.

ويبين أنطوان أن “لكل وزارة أولويات في أبواب الصرف، إذ تخصص ما تراه مناسبا ولمن الأولوية”.

لافتا إلى أن “التعيينات والمشاريع الاستثمارية ضرورة وحق لكل مواطن، حيث أن هناك قسما استثماريا على المدى الطويل، ويجب ألا يقل عن 10 بالمئة والقسم الآخر التشغيلي الذي يشمل الرواتب”.

وبرزت خلال السنوات الماضية، مسألة استخدام التعيينات في الحملات الانتخابية أو من قبل الحكومات التي تمر بأزمات، حيث يتم اللجوء إلى إطلاق الوعود بالتعيينات أو تعيين بعض الفئات، خاصة مع اشتداد التظاهرات المطالبة بفرص عمل من قبل الشباب في ظل ارتفاع نسب البطالة في البلد.

ويواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، تدهورا كبيرا منذ العام 2003 ولغاية الآن، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه للاستيراد، وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوعة تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن من دون تحقيق أي وعد، بل تستمر عجلة التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية.

وفضلا عن القطاع الحكومي، فإن مشاريع القطاع الخاص، شهدت انهيارا كبيرا نتيجة عدم توفر البنى التحتية، من قبيل استمرار انقطاع التيار الكهربائي أو الحماية اللازمة، خاصة في ظل الأحداث الأمنية التي يعيشها البلد بصورة مستمرة، ما انعكس سلبا على الشارع العراقي الذي تحول إلى مستهلك للبضائع المستوردة.

في السياق ذاته، يوضح المحلل السياسي راجي نصير، أن “البلد يعيش حالة غير طبيعية ويحتاج من الحكومات محاولة حشد الشارع وتحفيزه، وهذه المكافأة ليست كبيرة وعادة ما تكون سنوية”.

ويواصل نصير، أن “موضوع التعيينات الوظيفية يحتاج إلى دراسة، حيث أن هناك إهمالا للقطاع الخاص الذي يجب التوجه نحوه بدلا من تعيين الجميع في دوائر الدولة، فجميع الدول نهضت من خلال القطاع الخاص، ونتمنى من حكومة السوداني أن تكون لها رؤية مختلفة وليس رؤية إرضائية لهذا الطرف أو ذاك”.

يذكر أن المستشار المالي لرئيس الحكومة مظهر محمد صالح، أكد في تصريح سابق له، أن فلسفة الدولة بعد عام 2003 اعتمدت توزيع عوائد النفط بين الموظفين، حيث كل موظف يعيل خمسة أفراد بهدف خلق رفاهية، لكن هذه الفلسفة على المدى البعيد تضر البلاد بشكل كبير.

وكان وزير المالية السابق علي علاوي، وخلال مقابلة له مع وكالة الأنباء الرسمية “واع”، قد قال إن هناك سبعة ملايين موظف يتقاضون رواتب من الدولة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/11/03



كتابة تعليق لموضوع : خطط التعيينات الوظيفية.. سد لنقص الكوادر أم إرضاء للجمهور على حساب المصلحة العامة؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net