ثمانون يومًا في السجون السعودية

تعج السجون السعودية بالمعتقلين ولا داعي لتكون مذنبا حتى تقبع وراء قضبانها لمئات الأيام وربما عشرات السنين فيما روى المواطن الإيراني خليل دردمند تجربته المريرة وراء اسوار تلك السجون العالية.

ثمانون يوماً قضاها في السجون السعودية، ليقبع بعدها في سجن انفرادي، من دون توجيه أي تهمة توضح سبب الاعتقال، سوى تهمة “الإخلال بالأمن داخل المسجد الحرام”، والسبب رفع صورة الشهيد قاسم سليماني.

لم يكن يعلم أنّ الصورة التي يرفعها الملايين في بلده وفي العالم ستؤدّي إلى اعتقاله في السعودية، أثناء أدائه فريضة الحج في أرض الحرمين الشريفين في مكّة المكرمة برفقة والدته.

أمام الكعبة المقدّسة، قرّر الإيراني الحاج خليل دردمند، رفع صورة الشهيد قاسم سليماني، الأمر الذي أدخله إلى السجون السعودية، ليقبع فيها 80 يوماً، وسط تكتّم تام على مصيره ومعاناته، قبل أن يفرج عنه بعد اتصالات عالية المستوى.

عن المعاناة التي عاشها في السجون السعودية، تحدث دردمند إلى الميادين، قائلاً: في ليلة عيد الغدير، أدّيت طواف الوداع في المسجد الحرام برفقة والدتي، وبعفويّة قرّرت أن أؤدّي الزيارة في الكعبة المشرّفة، ومراقد أهل البيت، نيابةً عن شهيدنا سليماني المجاهد ضدّ الإرهاب والتكفير، وكذلك نيابة عن سماحة السيد الخامنئي. وبينما كنت أرفع صورة سليماني تمّ اعتقالي بتعسّف من قبل الشرطة، وتمّ اقتيادي إلى المعتقل الخاصّ بالمسجد الحرام.

بالنسبة إلى دردمند، فإنّ “القائد سليماني يعتبر في الوقت الحاضر رمزاً ونموذجاً للمقاومة ومكافحة الإرهاب.

يقول دردمند: “أردت أن أؤكّد هذه الحقيقة وهي أنّ المسلمين في أرجاء العالم حينما يؤدّون مراسم الحجّ بكل طمأنينة وأمان، فإنهم مدينون بهذه الزيارة وهذا الأمان والسلام للشهيد سليماني”.

عملية الاعتقال بدأت في الصحن الحرمي، أضاف دردمند: “في اللحظة التي كنت أقوم فيها بتصوير الكعبة المشرّفة، تمّ اعتقالي من قبل عناصر الشرطة داخل المسجد الحرام، ولم يسمحوا لي في تلك اللحظة بارتداء حذائي وأخذ أغراضي الشخصيّة، وتعاملوا معي بعنف، واقتادوني بتعسّف نحو معتقل المسجد، وأبقوني هناك 11 يوماً”.

لم يتم توجيه أي تهم لدردمند قبيل الاعتقال، ولم يبيّنوا بشكل واضح سبب الاعتقال، سوى التهمة التي أعلنوها للعامّة، وهي “الإخلال بالأمن داخل المسجد الحرام”.

“خلال لحظة اعتقالي، شاهد عملية الاعتقال بعض الحجاج الإيرانيين، ولكنّهم غادروا جميعهم مكة المكرمة إلى المدينة في اليوم نفسه، وفقدت تواصلي معهم وخاصةً مع والدتي، ولكنّي تمكّنت بعد ذلك من إرسال رسائل صوتيّة إلى أهلي عبر تطبيق الواتساب، وأخبرتهم عن مكان وجودي، لكن لم يسمح لي بالتواصل مع مسؤولي بعثة الحج الإيرانية، ولا مع المسؤولين الإيرانيين”.

أكد دردمند في هذا الشأن أنه: “توسّلت إليهم لعدّة أيام وبإلحاح لكي يسمحوا لي بالاتصال بمسؤولي بعثة الحج الإيرانيين أو أن أهاتف والدتي المسنّة، التي فقدتني من دون أي خبر مدة أربعة أيام، ولم يسمعوا ندائي”.

وأشار  إلى أنه في المعتقل الأوّل في مكّة، كان معه معتقلون من جنسيّات مختلفة، إذ كل من كان يعتقل بتهم مختلفة داخل المسجد الحرام، كانوا يقتادونه إلى ذلك المعتقل القريب من المسجد، وبعضهم من الزوار الإيرانيين الذين اعتقلوا بتهم شتّى.

وبحسبه، فإن “السلطات السعودية كانت تركّز على الشباب الإيرانيين الملتزمين، لمجرّد أنّهم كانوا يضعون الكوفية الإيرانية التي ترمز إلى انتماء الحجاج إلى إيران”.

وعن معتقل المسجد الحرام، شرح أنه “كان عبارةً عن غرفة بمساحة  نحو 50 متراً مربّعاً، ويضم أكثر من 20 معتقلاً من الجنسيات عديدة بتهم مختلفة، وهو معتقل غير صحي يفتقر إلى أبسط الحقوق الإنسانية، إضافةً إلى المعاملة السيّئة والعنيفة من قبل مسؤولي السجن مع المعتقلين”.

وطمأن دردمند أنّه “لم يتعرّض أبداً لأي تعذيب جسدي خلال فترة الاعتقال، لكن مجرّد الدخول إلى السجن من دون أي ذنب، والطعام الذي كانوا يقدمونه وتتصاعد منه روائح كريهة يعتبران أكبر تعذيب نفسي بالنسبة إلي”.

وتابع: “40 يوماً في السجن الانفرادي، لا أعلم بأي جرم اتهمت واعتقلت، ولماذا نقلت إلى هذا السجن، لكني أعتقد أنّ الوهم الذي يسيطر على أذهان المسؤولين السعوديين، وحالة الذعر من الحاج سليماني جعلاهم يظنون أنّ كلّ من يرفع صورته لا بدّ أن يكون من عناصر المقاومة، وكانوا يركّزون خلال التحقيق معي على هذه النقطة تحديداً”.

مستطرداً: “أوضحت لهم في التحقيق بأنني رفعت صورة الشهيد سليماني بشكل عفوي، لكني لا أعلم لماذا اختلقوا هذه المشكلة الكبيرة”.

وعن السجون التي تنقل بينها، قبل أن ينقل إلى سجن انفرادي، قال “نقلوني من المعتقل في مكة إلى جدّة بذريعة نقلي إلى إيران، وبالطبع كانت عمليّة نقلي من السجن إلى المحكمة أو إلى أي مكان آخر تتمّ بعصب عينيّ وتقييد يديّ بالأصفاد”.

وأضاف: “في اليوم الذي أوهموني فيه بأنّهم سيطلقون سراحي، اقتادوني بسيارة من مركز أمن الدولة إلى مدينة جدّة من دون عصب عينيّ، وتمكّنت من خلال لوحات الطريق أن أنتبه إلى أننا نتّجه الى جدة بالفعل للتحقيق معي لمدة عشر دقائق، وبعدها إلى المطار. لكنهم عصبوا عينيّ، وكبّلوا يديّ، وحققوا معي، ثمّ أخذوني لإجراء بعض الفحوص الطبيّة، وكنت أعتقد أنهم سيطلقون سراحي”.

واستطرد: “بعد ذلك، اقتادوني إلى مكان مخيف، وعندما تحسّست أطراف الممرّات وجدرانها شعرت بالقضبان”، و”حينذاك، تأكّدت أنّني داخل السجن الانفرادي الخاص بالتعذيب الجسديّ، حيث كانوا يقومون بتخفيض برودة الزنزانة، ومن دون فراش، وتقديم الطعام بشكل مهين وغير إنساني”.

وبعد 40 يوماً في السجن الانفرادي، تم نقل الحاج دردمند إلى السجن الجماعيّ أو العام، وكان معه 9 معتقلين من جنسيات مختلفة، من باكستان وأفريقيا ومصر وإندونيسيا، بتهم مختلفة.

وذكر أن “سجن أمن الدولة كان من أكثر السجون رعباً، حيث كانت تجري في داخله عمليات تعذيب وحشية لمعتقلين من جنسيات مختلفة”.

الحاج دردمند وجّه سؤالاً للمسؤولين السعوديين: هل السعودية تدعم الإرهاب والتكفيريين؟ وإن لم يكونوا كذلك، فلماذا يحاربون صورة الشهيد سليماني الذي حارب الإرهاب وقضى على تنظيم داعش والتكفيريين، ولماذا يعتبرون رفع صورة الحاج قاسم في المسجد الحرام جريمةً؟

وعن عملية الإفراج، اعتبر دردمند أنّ “أهمّ أركان عملية الإفراج كان الدعاء والتوسّل إلى الله، ودعوات أهلي لإنقاذي من الظلم. الدعاء كان السلاح في ذلك الوقت”.

وأضاف: “بعد الإفراج عني، أعادوا إليّ جواز سفري وأغراضي الشخصية، ثم وضعوني في سيارة شخصيّة وتحركنا بمرافقة عسكرية، وخرجنا من مدينة جدة باتجاه مدينة مكة، ثم أنزلوني من السيّارة وقالوا لي أنت حرّ، بعد أن أعادوا إليّ ملابسي الخاصة وخلعت ملابس السجن، وتركوني وأنا لا أمتلك أيّ نقود، في الوقت الذي كانوا فيه يصوّرون كل تفاصيل عملية إطلاق سراحي، حينذاك شعرت بالخوف من أن يقوموا باغتيالي هناك”.

وتابع: “بعد بضع دقائق من تنقّلي بين الشوارع، توقفت سيارة مارّة من هناك وتمكّنت من الاتصال بأحد المسؤولين الإيرانيين هناك، فحضر بسرعة إلى المكان ونقلني إلى المبنى الخاص بالحجاج الإيرانيين، وأعادوني إلى إيران”.

وختم الحاج دردمند بالقول: “كانت تجربة صعبةً جداً.. ورسالتي للمسؤولين السعوديين هي أنّ طريقة التعامل مع ضيوف الرحمن يجب أن لا تكون بهذا الشكل، “فهذا لا يليق أبداً بمكانتكم ويتناقض مع ادعاءاتكم”.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/11/01



كتابة تعليق لموضوع : ثمانون يومًا في السجون السعودية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net