معوقات الإجازات الصناعية بين الإنتاج الوطني والاستيراد
معوقات الإجازات الصناعية لاتعد ولا تحصى لاسيما ما يحيط بإنجاز المعاملات التي قد تمتد رحلتها عامين فيما يشير اقتصاديون إلى ان الفشل ينتظر المعامل بسبب عدم الحمائية الوطنية وفتح الاستيراد للمنتج ذاته.
كشف إعلان وزارة الصناعة عن منح أكثر من 1200 إجازة صناعية، عن خفايا عديدة، أبرزها أن هذا العدد من الإجازات ليست له أهمية نظرا للإجراءات التي ستتبعه والتي قد تطول لعامين، فضلا عن المعرقلات والفساد الذي يحيط بإنجاز المعاملات، وسط إشارة المتخصصين بالاقتصاد والصناعة إلى أن هذه المعامل غالبا ما يكون مصيرها الفشل بسبب فتح الاستيراد، وهي تعرض للبيع بعد عام من افتتاحها.
ويقول نائب رئيس اتحاد الصناعات باسم فيصل إنه “عندما يقرر شخص إنشاء معمل يقوم أولا بتقديم طلب بذلك إلى مديرية التنمية الصناعية التابعة لوزارة الصناعة، ويتضمن الطلب ذكر العنوان وبيان ما إذا كان المكان ملكا أم مستأجرا، وبعد ذلك تصدر مديرية التنمية كتابا وتبعثه إلى 14 وزارة لاستحصال موافقاتها”.
ويبين فيصل أن “موافقات الوزارات لن تحصل قبل مرور سنتين من وصول الكتاب إليها، وذلك بسبب كثرة الفساد وسعي بعض الجهات المعنية في الوزارات إلى ابتزاز أصحاب رؤوس الأموال”، مشيرا إلى أنه “بعد إكمال هذه الموافقات يتم استيراد مكائن المصنع أو شراؤها من الداخل وتنصيبها، ثم يبدأ التشغيل والإنتاج، ولكن كل هذه الخطوات تكون غالبا على الورق فقط، لأن المستثمر ينتظر الإجازة، وعندما تبدأ مرحلة الإنتاج تصدر إجازة التأسيس”.
ويضيف فيصل أن “إجازات التأسيس ليس لها قيمة لأن نصف المتقدمين لنيلها أو أكثر من نصفهم يتركون مشاريعهم بعدما يصطدمون بالتأخير والفساد، فيتم إصدار الإجازات لمشاريع تركها أصحابها في الواقع”، موضحا أن “لدينا في اتحاد الصناعات أكثر من 60 ألف مشروع ولكن ثلاثة أرباعها متوقفة عن العمل، والأجدر بالدولة دعم أصحاب المصانع والمشاريع عبر تنظيم السوق بما يمنح المنتج المحلي القدرة على التنافس”.
ويشير فيصل إلى أن “عدد الإجازات التأسيسية الممنوحة للمشاريع الصناعية ليس مهما لأن هناك مشاريع كثيرة تفشل ويصفيها أصحابها بسبب فوضى الاستيراد والأسواق، وذلك يعود إلى أن جميع الحكومات التي تحكم العراق سياسية وليست اقتصادية، بينما نرى اليوم أن العالم يقوده الاقتصاد”.
وكانت المديرية العامة للتنمية الصناعية في وزارة الصناعة والمعادن، أعلنت عن منحها خلال العشرة أشهر الماضية، 1222 إجازة صناعية تحت التأسيس، وأكدت أن هناك العديد من المشاريع الصناعية المتميزة ذات الجودة العالية موجودة على الأرض.
ويواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، الذي من المفترض أن يساهم بتشغيل شرائح عديدة من المجتمع، تدهورا كبيرا منذ العام 2003 ولغاية الآن، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه للاستيراد، وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع وهو من معوقات الإجازات الصناعية ، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوع تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن من دون تحقيق أي وعد، بل يستمر التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية.
وفضلا عن القطاع الحكومي، فإن مشاريع القطاع الخاص، شهدت توقفا، بل وانهيارا كبيرا نتيجة لعدم توفر البنى التحتية للإنتاج، من تيار كهربائي أو حماية لازمة، خاصة في ظل الأحداث الأمنية التي يعيشها البلد بصورة مستمرة، ما انعكس سلبا على الشارع العراقي الذي تحول إلى مستهلك للبضائع المستوردة.
وفي هذا الصدد، يفيد الخبير الاقتصادي ضياء المحسن بأن “كمية الإجازات التأسيسية ليست مهمة، وإنما المهم نوعية هذه الإجازات وإلى أي قطاعات تم منحها”، لافتا إلى أن “هناك قطاعات مهمة يجب منح الإجازات فيها مثل قطاع الصناعات التحويلية والإنشائية بغية تغطية حاجة السوق المحلية والاستغناء عن المواد المستوردة، لأن الاستيراد يتسبب باستنزاف العملة الصعبة”.
ويتابع المحسن أن “الكثير من هذه الإجازات هي مجرد حبر على ورق، لأن من يحصلون عليها يسعون من خلالها إلى الحصول على قروض من المصارف بداعي إنشاء مشاريع، ولكنهم في الحقيقة يأخذون أموال القروض ويهربون بها، فلا يتم تأسيس مشاريع ولا يحدث شيء على أرض الواقع”.
يشار إلى أن العراق يتصدر بصورة مستمرة، قائمة المستوردين لأغلب السلع التركية والإيرانية، وكان رئيس مصلحة الجمارك الإيرانية علي رضا مقدسي، أعلن مطلع العام الحالي، أن الصادرات السلعية للعراق سجلت 38 مليار دولار في الشهور العشرة الأخيرة، وذلك بنمو 38 بالمئة عن الفترة ذاتها من العام الماضي.
ومن بين المشاريع التي أعلن عنها سابقا وبقيت لغاية الآن مجهولة، هو إطلاق هيئة الاستثمار الوطنية، في أيلول سبتمبر 2021، مبادرة لدعم الشباب تحت شعار “استثمر في الشباب” برعاية رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، بصندوق قيمته 30 مليار دينار، مع وجود 8 مشاركين من الشباب قدموا مشاريعهم في قطاعات “الصناعة، التقنية، الصحة، التجارة والتعليم” وقد حظي 7 منها بدعم من الشركات الاستثمارية والمصارف التابعة للقطاع الخاص، وتم الاتفاق على عقد لقاءات مباشرة بين المستثمرين الشباب والداعمين لمشاريعهم لوضع الخطوات النهائية لتنفيذها على أرض الواقع، وذلك كما ورد في نص بيان الهيئة.
وقد بحث مصدر في حينها بالمواقع الرسمية لهيئة الاستثمار الوطنية، عن أي دعوة وجهت للشباب لغرض تقديم مشاريعهم استعدادا لإطلاق المبادرة لكنها لم تجد أي شيء يذكر بهذا الخصوص، فضلا عن البحث في المواقع الحكومية الأخرى ومنها مكتب رئيس الوزراء، الا ان معظم الجهات المعنية لم تتطرق إليه قبل عقد المؤتمر، وما زال المشروع غامضا.
من جانبه، يوضح الخبير الاقتصادي همام الشماع أن “إعلانات وزارة الصناعة عن الإجازات التأسيسية الممنوحة غير واضحة، فمن غير المعلوم هل أنها تتحدث عن مشاريع كبيرة أم صغيرة”.
ويضيف الشماع أن “الصناعة العراقية لم تنافس وكلها متوقفة، وبحسب المعلومات أن 52 ألف مشروع صناعي متوقف الآن”، منوها إلى أن “صناعة العراق لا تنافس الصناعات الإيرانية والتركية، خصوصا أن عملتي هاتين الدولتين منهارتان، ما يجعل بضائعهما تصل بأسعار منخفضة إلى العراق”.
وكانت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، أعلنت الأسبوع الماضي، أنه من خلال صندوق الإقراض الذي تأسس بموجب القانون رقم 10 سنة 2012 برأسمال 266 مليار دينار، تم منح 60 ألف قرض للعاطلين عن العمل، إلا أن خبراء بالاقتصاد أكدوا أن هذه القروض لا ترتقي لمستوى الطموح بسبب قلة مبالغها، فضلا عن فتح الحدود أمام البضائع المستوردة، ما يعيق إنشاء أي مشروع جديد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat