الجفاف يؤدي الى نفوق الأسماك في العراق وبهدد مصادر الرزق

 تبرز ظاهرة نفوق الأسماك في العراق كأزمة جديدة تهدد مصادر رزق العديد من المواطنين فضلاً عن تأثيراتها الاقتصادية والبيئية والاجتماعية على عموم مناطق البلاد.

ولا تمر سنة أو فترة دون الاعلان عن أزمة نفوق الأسماك في العراق وبالأخص في المحافظات الجنوبية، وفي ظل صعوبة الحصول على مهنة في الوقت الحالي باتت مصادر رزق العديد من العراقيين على المحك، حيث لم يتخيل صيادو الأسماك في مناطق الأهوار العراقية يوماً أنهم سيهجرون مهنة ورثوها عن آبائهم وأجدادهم.

أسباب نفوق الأسماك في العراق
وبين الحين والاخر، كانت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي العراقية قد تداولت المئات من المقاطع المصورة من الكثير من المناطق النهرية من العراق، التي تظهر نفوق ملايين الأسماك، التي كانت تطفو على المسطحات المائية وداخل المسابح الإنتاجية في مناطق وسط وجنوب العراق.

ويقول الناشط في مجال البيئة أبو الحسن المسافري، إن “بحيرة الرزازة بمحافظة كربلاء شهدت خلال الفترة الماضية عمليات نفوق كبيرة للأسماك دون أي إشارة حكومية اواهتمام بالحادثة”.

وأضاف، أن “عمليات النفوق في البحيرة حصلت بسبب انخفاض مناسيب المياه فيها، وارتفاع درجات الحرارة التي تؤدي إلى تبخر المياه وارتفاع التراكيز الملحية”.

لافتاً إلى أن “هذه العوامل جميعها جعلت البحيرة بيئة غير صالحة لها”.

وتعود الى الواجهة بين فترة وأخرى ظاهرة نفوق الأسماك في المياه العراقية، سيما مناطق الاهوار في الجنوب، لأسباب يعزوها مختصون إلى الصيد الطائش عبر إلقاء مواد سامة من قبل بعض الصيادين فضلا عن السبب الأبرز وهو الجفاف.

توقف بحيرات الأسماك عن العمل
وكشف عضو رابطة ادارة بحيرات الأسماك الأهلية في ديالى، مصطفى الخالدي، عن توقف شامل لكل بحيرات الأسماك.

وقال الخالدي إن “ديالى كانت تضم من 30-40 بحيرة أسماك أهلية قرب جداول الأنهر الرئيسية وحتى الفرعية، وهي تعتمد بنسبة كبيرة على ديمومة المياه فيها، من أجل تغذيتها باستمرار على مدار السنة”.

وأضاف أن “جميع بحيرات الأسماك توقفت حاليا عن العمل بسب أزمة الجفاف الحادة وانحسار المياه، بالإضافة إلى وجود تعليمات مشددة تمنع وجود البحيرات بالوقت الراهن بسبب محدودية المياه المتوفرة”.

وأشار إلى أن “البحيرات كانت تغذي الأسواق بأكثر من 100 طن من الأسماك أسبوعيا”.

مؤكدا أنه “لم يتبقى سوى اقفاص تربية الأسماك في الأنهر الكبيرة، ومنها دجلة لاتزال تعمل في إنتاج الأسماك بالوقت الراهن”.

وتشير احصائيات تقريبية إلى أن عدد العاملين في هذه البحيرات بشكل مباشر وغير مباشر، يصل إلى أكثر من 1500 نسمة، مما يهدد بتوقف مصادر رزقهم.

النفوق في نهر الاسحاقي
من جانبه، يقول الناشط البيئي في محافظة ذي قار، رعد الاسدي، إن “كميات كبيرة من الأسماك تعرضت للنفوق في نهر الاسحاقي الواقع أقصى جنوبي محافظة ذي قار والذي يعتبر من أبرز الأنهار التي تغذي الاهوار الوسطى في الجبايش”.

واكد، ان “النهر يقع على مقربة من محطات الاسالة التي تغذي مناطق الشرقية والكسرة في الجبايش والفهود، وبالتالي فإن نفوق الأسماك هو بداية لانتشار الأمراض الخطيرة على البيئة في المناطق التي يغذيها، بسبب ارتفاع الملوحة”.

وقبل شهرين، المسؤول في مديرية زراعة البصرة شاكر عبد الرزاق أن نسبة النفوق بلغت 90% من السمك البلطي.

وأوضح أن سبب التلوث هو إلقاء المخلفات في النهر، مشيرًا إلى أن الحل أمام المديرية هو ضخ المياه في مجرى النهر لإزالة التلوث”.

وتوعدت مديرية زراعة البصرة، بإجراءات قانونية لمن يلوثون النهر. وقال مدير زراعة المحافظة هادي حسين قاسم، إن “المديرية شكلت فريق عمل من قسم الأسماك لحظة ورود معلومات عن النفوق”.

وأضاف أن “الأسماك النافقة تُعتبر دخيلة على البيئة البصرية وغير مرغوبة للمستهلك”.

موضحًا أن تحاليل العينات أظهرت “رداءة نوعية المياه في هذا النهر بسبب رمي المياه الثقيلة والآسنة وفضلات المحلات وبعض الأحياء السكنية، مما أدى إلى انخفاض نسبة الأوكسجين في المياه”.

ويعيش أكثر من ثلاثة ملايين نسمة في محافظة البصرة، ويعتمد سكان المحافظة على بعض المحطات الحكومية واكثر من 200 محطة أهلية خاصة لتأمين مياه الشرب، وحسب قولهم، فإن مياه المحافظة مالحة ولا تصلح لا للشرب ولا للزراعة.

وحسب المعايير العالمية، فلا ينبغي ان تتعدى نسبة الملوحة لمياه الشرب 500 درجة من معيار “TDS”، في حين تتعدّى الملوحة في مياه البصرة أضعاف الرقم المحدد.

هجرة معظم مربي الأسماك
ويقول نائب رئيس جمعية مربي الأسماك في العراق، أكرم المشهداني، إن “أكثر من 75% من مربي الأسماك هجروا هذه المهنة، جراء انتشار فيروس (كوي الهربس) في البحيرات والأنهر، ما تسبب بنفوق أعداد كبيرة من تلك الثروات مع اتساع دائرة الإصابة والخطر كلما تقادم الزمن”.

وكوي الهربس (KHV)، مرض فيروسي ويعرف أيضاً بالتهاب الكلية الخلالي في أسماك الكارب أو فيروس نخر الخياشيم، وهو قاتل تصل معدلات الإبادة فيه لنحو 100% بين ذلك النوع من الأسماك.

ومنذ عام 2008، ازدهرت مهنة تربية الأسماك بعد شيوع سمك الكارب، عن طريق منظمة الإنماء الأميركية.

ويضيف المشهداني أن “الفيروس بدأ الانتشار عام 2018 في نهر دجلة ثم انتقل إلى البحيرات والأحواض النهرية، في وقت كانت تبلغ الطاقة الإنتاجية من تربية الاسماك نحو 900 ألف طن، لكنها تتناقص بنسبة 20% في كل عام منذ الفيروس”.

ويشير إلى أنه مع عدد من أصحاب البحيرات، التقوا بمسؤولين في وزارة الزراعة والري والأمانة العامة لمجلس الوزراء، بغرض نلقي الدعم الحكومي للقضاء على الفيروس.

“لكن أياً من تلك الجولات لم يأت بحلول وأسند لنا توفير اللقاح إلى القطاع الخاص، وهو أمر صعب للغاية؛ لأن سعره يتجاوز المليون دولار مع شحة موردي مثل تلك الأمصال”، يتابع المشهداني.

وفي 26 أكتوبر 2018، انتشرت ظاهرة نفوق أسماك هائلة في العراق أودت إلى هلاك ملايين من أسماك الكارب المستزرع في منطقة الفرات الأوسط، الأمر الذي ولّد حالة قلق في البلاد.

وشاع الخوف من أن نفوق الأسماك يُعزى إلى تلوث غامض يمكن أن يؤدي إلى تسمم الناس أيضا، في حين عانى مزارعو الأسماك من تكبد خسائر مالية بسبب نفوق الأسماك، الواقعة التي أثرت على مصدر رزقهم.

ويلفت المشهداني إلى أن “هنالك جوانب أخرى تضاف إلى المرض الفيروسي الذي يصيب الأسماك وهو شح المياه وارتفاع أسعار الأعلاف الخاصة بتربية الأسماك”.

ويدعو الجهات المختصة إلى تشريع قوانين تخص تربية الأسماك، خصوصاً أن أغلب اللوائح المعتمدة في العراق تعود لعام 1972، عندما كان الصيد محصوراً في أعالي البحار.

وتتوزع أغلب البحيرات الخاصة بتربية الأسماك عند أطراف العاصمة بغداد الشمالية، امتداداً باتجاه مدينة سامراء، يتجاوز عددها ثلاثة آلاف موقع، أغلبها غير مرخص رسمياً.

أنواع تربية الأسماك
بدوره، يقول مستشار لجنة الزراعة البرلمانية السابق، عادل المختار، “تربية الأسماك يمكن تصنيفها بأربعة أنواع، الأول تربية الأسماك في البحيرات والأقفاص النهرية وهو الأكثر شهرة واعتماداُ من قبل وزارة الزراعة”.

“وهذا القسم يعاني الإصابة بالفيروس القاتل والشحة المائية وارتفاع أسعار الأعلاف فضلاً عن افتقار التسويق، بالتالي يجب إلغاؤه لأنه يشكل ضغطاً كبيراً على خزيننا المائي فضلاً عن خطورة انتقال تلك الأمراض إلى بقية الأنهار”، يضيف المختار.

ويؤكد أن “حجم المياه المستخدمة من قبل تلك البحيرات المخصصة لتربية الأسماك تصل نحو مليار وربع المليار متر مكعب، في ظل عدم جدوى من استمرار تلك المهنة واستثمار الأعلاف في سد نقص التغذية للدواجن والماشية”.

ويتابع المختار: “يمكن تعويض تلك الثروة من خلال بدائل عديدة وبأسعار أقل كلفة وأوفر لكميات المياه، من بينها اعتماد المسطحات المائية مثل الثرثار والحبانية والرزازة والأهوار وغيرها وهو القسم الثاني من تربية الأسماك”.

أما النوع الثالث، فيكمن في اصطياد الأسماك عند منطقة الفاو البحرية في أقاصي جنوب العراق، حسب المختار، مردفاً “هنالك نحو 1500 زورق معطل عن الخدمة بإمكان كل واحد من تلك القوارب أن يعود خلال 10 أيام بنحو نصف طن من الأسماك”.

وينوه إلى أن “أغلب الصيادين في تلك المنطقة يتعرضون للإهانة والضرب والاعتقال من قبل السلطات الإيرانية التي تمنع مزاولتهم لتلك المهنة رغم أن هنالك اتفاقية تنظيم الصيد في المياه الإقليمية”.

والنوع الرابع “يقع في أعالي المحيطات” وفق المختار.

ويبيّن: “بحسب الخطة الإستراتيجية لوزارة الزراعة عام 2014، نصت على ألاّ تتجاوز المساحة المخصصة لبحيرات الأسماك، 31 ألف دونم لمدة عقدين، لكن المساحة الحالية أكثر من 60 ألف دونم”.

ويشدد المختار في نهاية حديثه، على أن “الحل للقضاء على الفيروس القاتل، يكون بإيقاف تربية الأسماك من النوع الأول لمدة أقلها خمسة أعوام”.

وقبل ايام، قال وكيل وزارة الزراعة مهدي الجبوري إنّ “ارتفاع أسعار الأسماك جاء لوجود إصابات موسمية وأيضًا زيادة الطلب مع شح للمنتج في بعض الفترات ما أدى إلى رفع الأسعار، إضافة إلى ارتفاع أسعار اللقاحات والأدوية والأعلاف”.

وأضاف أنّ “ميزانية وزارة الزراعة ضمن قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي ستدعم أعلاف الأسماك ما سيؤدي إلى خفض كلفة الإنتاج وتقليل الأسعار خلال الأيام المقبلة”.

المصدر: السومرية نيوز


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/08/16



كتابة تعليق لموضوع : الجفاف يؤدي الى نفوق الأسماك في العراق وبهدد مصادر الرزق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net