هل التصميم الذكي نظرية علمية أم علم زائف؟
حسن فلاح
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نظرية التصميم الذكي باختصار هي النظرية التي تعزو الخصائص في الأنظمة الحية إلى مسبّب ذكي بدلا من العمليات المادية غير الموجّهة
حسن فلاح

وقد تم تقديمها لأول مرة في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات بواسطة مجموعة من العلماء أمثال تشارلز ثاكستون وروجر أولسون ووالتر برادلي، في محاولتهم لتفسير أصول المعلومات المشفرة في سلاسل
وبدأت النظرية تكتسب زخما ويلتف حولها العديد من العلماء التجريبيين أمثال ويليام ديمبسكي ومايكل بيهي وستيفن ماير ومايكل دنتون وغيرهم
لكن هناك جزء كبير من المجتمع العلمي لا يعتبر التصميم الذكي نظرية علمية بل يعتبرونها علما زائفا؛ فمثلا الأكاديمية الوطنية للعلوم صرّحت بأن التصميم الذكي يشير إلى أن هناك خارقا للطبيعة أوجد الحياة، وبالتالي لا يُعد هذا علما بسبب عدم إمكانية اختباره بالتجربة ولأنه لا يُعطي أي توقعات
لكن في الواقع يمكن الدفاع عن هذه النظرية واعتبارها علما حالها حال سائر باقي النظريات، وذلك من خلال الرجوع للمعايير المعتمدة اليوم في منهج العلوم
فالمنهج الذي يحظى بالقبول اليوم في المجتمع العلمي هو منهج كارل بوبر، والذي يقرّر بأن المسألة العلمية هي المسألة التي تقوم على ركنين أساسيين: الركن الأول هو انسجام النظرية مع الظواهر الموجودة أمامنا، والركن الثاني: هو قبولها للدحض يوما ما
أما إن كانت المقولة لا تحظى بتلك الشواهد أو لم تكن قابلة للدحض بسبب تعذّر الوصول لتلك المنطقة مثلا= فلا تُعتبر هذه المقولة علمية بل تُعتبر مقولة ميتافيزيقية
والآن نأتي لنظرية التصميم الذكي لنرى هل تنطبق عليها تلك المعايير أم لا؟
بالنسبة للركن الأول، فلا شك أن الشواهد منسجمة تماما مع النظرية، بل إن تلك الشواهد لا يمكن تفسيرها بدون المصمّم العالم الحكيم
وقد قدّم رواد النظرية مجموعة مفاهيم هامة تؤيّد نظريتهم، مثل مفهوم (الأنظمة المعقدة غير القابلة للاختزال) والذي اقترحه عالم الكيمياء الحيوية مايكل بيهي
والمقصود به أن النظام المعقد غير القابل للاختزال هو نظام فريد مكون من العديد من الأجزاء المترابطة بحيث يؤدي إزالة أي جزء من هذه الأجزاء إلى توقف النظام عن العمل، ومثال ذلك: العين والسوط البكتيري وتخثر الدم
كذلك قُدّم مفهوم (التعقيدات المتخصصة) والذي طُوّر من قبل وليام ديمبسكي في كتابه (تصميم الحياة) والذي يُمكنّنا من معرفة أن النظام قد أُنتج من قِبل مسبّب ذكي عوضا عن القول بأنه كان نتيجة للعمليات الطبيعية
أما بالنسبة للركن الثاني، وهو قبول النظرية للدحض، فالصحيح أن النظرية تقبل الاختبار وبالتالي الدحض يوما ما
وطبعا ليس المقصود من الاختبار هو تكرار تجربة نشوء الكائنات الحية، فهذا النوع من الاختبار لم يتم تطبيقه على أكثر النظريات كنظرية الانفجار الكبير ونظرية التطور وغيرها
بل المقصود هو اختبار إمكانية صدور أنظمة معقدة من عمليات عشوائية غير مقصودة من خلال تهيئة ظروف غير موجّهة لنرى هل يصدر منها النظام والتعقيد أم لا، بحيث إن صدر التعقيد والنظام من غير توجيه فقد تم دحض النظرية وإن لم يصدر فتبقى النظرية مقبولة
وأيضا يمكن اختبار هذا الادّعاء عبر دراسات في علم الاحتمال الرياضي لمعرفة المدة اللازمة لظهور التعقيد في بعض الأنظمة الحية، وبيان استحالة ذلك على ضوء الزمن المقترح لعمر الأرض، وقد قام بذلك عدة علماء ورياضيين أمثال ويليام ديمبسكي و ويندل بيرد وغيرهم
وبذلك يُعلم أن ما ذُكر من أن نظرية التصميم الذكي نظرية غير علمية= غير صحيح، بل يمكن اعتبارها نظرية علمية كسائر النظريات التي تقبل الاختبار والتجربة
بل يوجد في العلم نظائر من الدراسات التي تحمل هذا النمط من التفكير، ففي منتصف القرن العشرين بدأ البحث عن علامات للحياة الذكية خارج كوكب الأرض من خلال تحليل البيانات والعينات واستعمال الأجهزة الراديوية لاكتشاف إشارات الاتصال وإرسالها
فعلى تقدير حصولنا على إشارات مفهومة أو عينات لمصنوعات أو نُحوت معقدة من خارج الكوكب، فهل سيتردد المجتمع العلمي في عزو هذه الظواهر إلى كائنات ذكية أم أنهم سيعتبرون ذلك علما زائفا؟!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat