عمامةُ الحقِّ تعلو ولا يُعلى عليها
سيف علي اللامي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سيف علي اللامي

روي عن الإمام العسكري (عليه السلام): "فأمّا من كانَ من الفقهاءِ صائنًا لنفسِه، حافظًا لدينِه، مُخالفًا على هواه، مُطيعًا لأمر مولاه، فللعوامِ أنْ يُقلِّدوه، وذلك لا يكونُ إلا بعضُ فقهاءِ الشيعةِ لا كُلِّهم، فإنَّ من ركبَ من القبايح والفواحش مراكبَ علماءِ العامة، فلا تقبلوا منهم عنّا شيئًا ولا كرامة..."(1)
يُميّزُ الإمامُ الحسنُ العسكري (عليه السلام) في الحديثِ الشريفِ بين عمامتين، عمامة الحقّ وعمامة مُدّعي العلم.
أما عمامةُ الحقِّ فهي تاجُ ذلك الفقيهِ الصائنِ لنفسِه من الزلّاتِ والمُغرياتِ والشهواتِ وحُبِّ الدنيا، الحافظِ لدينِه من الهوى والابتداعِ والشُبُهاتِ، المُخالفِ على هواه حيثُ إنَّ مخالفةَ هوى النفس هي الجهادِ الأكبر.
(إنّ النفسَ لأمّارةٌ بالسوءِ إلا ما رحمَ ربي)
إنّ ضررَ النفسِ الأمّارةِ على الإنسانِ بالسوءِ أكثرُ من ضررِ الشيطان؛ فكُلّما كانَ الفقيهُ مُخالفًا لهوى النفس كانَ ذا صدق.
وعندما نذهبُ إلى النجفِ الاشرفِ، ماذا نُشاهد؟
نُشاهدُ بيوتًا قديمةً مُتهالكةً، تجدُ على جدرانها تجاعيدَ السنينِ وتكالبَ الدهور ومآسي الزمان وما تعرّضتْ له من ظلمٍ وبهتان في كُلِّ ركنٍ من أركانِها، بيوتٌ استأجرَها العلماءُ للسكنِ فيها؛ فهي ليست ملكهم.
وعندما ندخلُ لأداءِ تحيةِ الإسلامِ والتبرُّكِ بهم، نجدُ التواضعَ والزهدَ، حيثُ نجدُ من عباءتُه عمرُها ثلاثون سنةً، فأصبحَ ظِلُّها أمانًا للعراقِ والعراقيين، ونجدُ من سقفُ بيتِه مُنخفضًا، ونجدُ من عباءتُه مُمزّقةً، ولكنّهم قاماتٌ شامخةٌ يهربون من الألقابِ والألقابُ تطلبُهم، هذا هو ديدنُ علمائنا الأفاضل.
أما تلاميذُ هؤلاءِ الأفاضل، فالأقلامُ عاجزةٌ عن وصفِهم.
من أينَ نبدأ؟
يكفي في وصفهم جهادُهم وتضحياتهم ودفاعهم عن الدينِ والمُقدّساتِ...
فهم أولُ المُلبّين لفتوى زعيمِ الحوزةِ العلميةِ السيّد علي السيستاني (دام ظله)، نجدُهم على ساترِ المعركةِ : "فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا"
أما عمائمُ مدّعي العلمِ فعكسُ ما ذكرنا؛ إذ نجدُ أصحابَها يرتكبون القبائح والفواحش، ويتعمّدون الكذبَ على أهلِ البيت (عليهم السلام)، يبثّون الكذبَ والشبهاتِ في نهجِ آل محمد (صلى الله عليه وآله)، فضلّوا وأضلّوا، وهم أضرُّ على ضعفاءِ الشيعةِ من جيشِ يزيدَ على الإمامِ الحُسينِ (عليه السلام) وأصحابه.
وعلى مرِّ العصورِ من زمنِ ظهورِ الدين الإسلامي إلى يومنا هذا نجدُ هناك عمائمَ حقٍّ تتبعُ أميرَ المؤمنين (عليه السلام) وعمائمَ تدّعي العلمَ تتبعُ معاويةَ (عليه لعنة الله).
فينبغي علينا جميعًا أنْ نُميّزَ بينَ عمامةِ الحقّ، وعمامةِ مدّعي العلم، ولا ننجرّ وراءَ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي وما يُبثُّ فيها من سمومٍ لتسقيطِ عمائمِ الحقّ، فالحقُّ يعلو ولا يُعلى عليه.
أدامَ اللهُ عمائمَ الحقِّ في جميعِ بقاعِ العالم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)وسائل الشيعة ج27 ص131 عن تفسير الإمام العسكري عليه السلام
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat