أزمة التعاطي مع الآخر في ميزان الممارسة العقلانية والشرعية .
احمد الفياض
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
احمد الفياض

يواجه الإنسان المعاصر معضلة سلوكية كبرى في التعامل مع الآخر من حيث سيطرة الانتهازية والمادية على طبيعة هذا السلوك التعاملي في الوقت الراهن وتاثريهما عليه بشكل واضح وملموس مما يؤشر إلى وجود خلل قِيمي كبير اسميناه "أزمة التعاطي "
وهذا أمر واقع لا مفر منه ، مادام الإنسان في حالة احتكاك دائم مع الآخر سواء كان في عمل أو تعامل أو حتى في بيته فهو في حالة تفاعل سلوكي فعّال مع محيطة وأبناء مجتمعه وهذا هو مقتضى الطبع البشري حيث انه اجتماعي .
تظهر و بوضوح نماذج مختلفة ومتعددة في التعاطي والتعامل مع الآخر بعيدة كل البعد عن قيم الإنسان النبيلة وهي مرفوضة ومستهجنة ومنبوذة من كل الشرايع الدينية و السماوية اذا تعتمد هذه النماذج على مبدأ الأطماع الذاتية والمكاسب الشخصية والتلون والخداع تحت اي ظرف او مبرر و من هذه النماذج:
نموذج الانتهازية : الانتهازية التي تعني السعي إلى تحقيق المصلحة الشخصية على حساب مصلحة الآخر أو الصالح العام دون أن يعتني الانتهازي لأي اعتبار شرعي أو أخلاقي في تعامله مع الآخر
نموذج التلون والنفاق : والذي يعتمد في تعامله على مبدأ المنفعة المتلونة بالنرجسية والاطماع الذاتية والظهور بأكثر من وجه ، و نموذج المكر والخداع وهكذا الكثير منها ولسنا بصدد بيانها حالياً .
والسؤال المهم الذي ينبغي ان نطرحه هو : ماهو المدخل الإصلاحي لحلّ هذه المعضلة ؟ ماهو المبدأ الذي نتعتمده في العلاقة مع الآخر؟ وماهي سمات وصفات النموذج الأرقى في التعامل . ؟
ببساطة ان المقياس المثالي في التعامل مع الآخر هو مبدأ " أترضاه لتفسك" الذي طرح اهل البيت ( ع) وعليه ساروا في كل تصرفاتهم وسلوكياتهم .وهذا المبدأ يعني إنّ على الإنسان أن يسأل نفسه قبل أن يصدر منه ايّ سلوك اتجاه الآخر هذا التصرف هل سأقبل به لو عاملني به غيري ؟ ان كنت لا تقبله لنفسك لا تقبله لغيرك ايضاً ،فمن لا يقبل ان يتصرف معه الاخرون بأنتهازية أو مكر وخداع عليه ايضاً ان لا يقبل لنفسه ان يتعامل مع الآخرين بنفس الأسلوب الذي كرهه من غيره .
وهذا المبدأ يفرضه المنطق السليم وتدعوا له العقلانية وايده ودعا إليه الشارع المقدس وتعاليم اهل البيت عليهم السلام.
وهذا ما أشار إليه امير المؤمنين (ع) في وصيته للحسن (عليه السلام) قال : يا بني تفهم وصيتي واجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك وأحب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها لا تظلم كما لا تحب ان تظلم وأحسن كما تحب ان يحسن إليك واستقبح لنفسك ما تستقبحه عن غيرك وارض من الناس ما ترضى لهم منك الخبر.
حب لأخيك ما تحب لنفسك هو مبدأ ""اترضاه لنفسك"" في التعامل مع الآخر وهو النموذج السلوكي الأرقى الذي قدمته الشريعة الغرّاء من أجل ضبط إيقاع التعامل مع الآخر وفق مقياس الرضا من نفسك .
ونشير هنا في نهاية المطاف إلى قوة وعمق هذا المقياس ، اذا انه يوفر لنا الضمان في الوقوف مع صف القيم الأخلاقية ونشر الخير وضبط التصرف الإنساني ليكون تصرفاً نبيلا مبني على الصدق والمصداقية وإعطاء كل ذي حق حقه وبالتالي ينتج لنا مجتمع سليم متعايش تسوده كل قيم الخير والود والتراحم .
عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث خصال من كن فيه أو واحدة منهن كان في ظل عرش الله يوم لا ظل الا ظله رجل أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم ورجل لم يقدم رجلا ولم يؤخر رجلا حتى يعلم أن ذلك لله رضى ورجل لم يعب أخاه المسلم بعيب حثى ينفى ذلك العيب عن نفسه فإنه لا ينفى منها عيبا الا بدا له عيب وكفى بالمرء شغلا بنفسه عن الناس.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat