ممثل المرجعية الدينية العليا يستذكر فتوى الدفاع المقدسة ويؤكد أنّ الأمثلة التي سطّرها الأبطالُ تمثّل تجربةً عمليّة للتربية الصالحة
استذكرت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا فتواها التاريخيّة التي حمت أرض العراق ومقدّساته، والتي تصادف ذكراها هذه الأيّام، مؤكّدةً أنّ استذكار هذه الظاهرة عند مرقد الإمام الحسين(عليه السلام) يمثّل تسجيلَ موقفِ عرفانٍ وشكرٍ للملبّين والمضحّين، وأنّ الأمثلة التي سطّرها الأبطالُ تمثّل تجربةً عمليّة للتربية الصالحة، وعلى الجميع سواءً كانوا شعباً أو حكومةً أو منظّمات أن لا ينسوا تلك الدماء التي أريقت على هذه الأرض الطاهرة إكراماً لهم، وأن نسعى دائماً لتوثيق ما بذلوا من جهدٍ.
جاء ذلك خلال الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة هذا اليوم (13 شعبان 1440هـ) الموافق لـ(19 نيسان 2019م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ المطهّر وكانت بإمامة سماحة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه)، وهذا نصُّها:
بسم الله الرحمن الرحيم، إخوتي أخواتي أعرضُ على مسامعكم الكريمة حديثاً يتعلّق بموضوع التربية، والمقصود من التربية هنا أنّه عندما يولد لنا مولودٌ ويعيش في هذه البلاد -سلّمها الله تعالى- لابُدّ من وجود أسس عامّة للتربية، وهذه الأسس لا شكّ تتأثّر سلباً وإيجاباً بحضارة البلد، فهل هناك أسس تربويّة حقيقيّة سواءً تتكفّل بها الأسر أو المجتمع أو الدولة؟ وهل هناك اهتمام بالنشأة أو بالناشئة من بداية حياته الى أن يتوفّاه الله تعالى أو لا توجد؟ وإنّما يُترك هو لوحده يصارع وقد يُصيب أو يُخطئ، طبعاً هذا العنصر التربويّ حقيقةً هو ليس عنصراً يختصّ بجهةٍ دون أخرى.
نعم قد تكون بعض الجهات مكمّلة أو قد تكون هناك أجواء تساعد على ذلك، إنّما الشيء الذي أحبّ أن أنوّه عنه أقول: هناك مرتكزات تربويّة لها نحوٌ من الموضوعيّة والواقعيّة التي يكون أثرها بيّناً، وعندما تغيب الرؤية التربويّة قطعاً لا نحصد إلّا الفوضى.
الإنسان عندما يتربّى وعندما يتمتّع بلياقاتٍ تربويّة جيّدة يفهم كيف يعالج الأمور، ونفهم أيضاً كيف يعوّل على جيلٍ وعلى نشءٍ يأتي من ورائه الخير الكثير، ولعلّ من جملة الأمور التي أحبّ أن أذكرها:
أوّلاً: لابُدّ من زرع الثقة بالنفس، الجانب التربويّ يسعى أن يوجد هذه الداعويّة عند الطفل الى أن يكبر ويكون صبيّاً وشابّاً، يربّيه على أن يثق بنفسه، وأنتم تعلمون أنّ الثقة بالنفس لم تكن ناشئةً من غرور وإنّما الثقة بالنفس بمعنى أنّ الإنسان عنده قدرة أن يفعل هذا الفعل، هناك مجموعة من القدرات عند الإنسان وهناك مجموعة من المواهب عند الإنسان، الجانب التربويّ يحاول أن يستثير هذه الأمور، وجزءٌ من الاستثارة أن أجعل هذا الفتى وأن أجعل هذا الشابّ يثق بنفسه ولا يشعر بالإحباط من أوّل تجربةٍ قد يمرّ بها، أو لا يشعر بالإحباط بسبب أنّ البيئة لا تساعد، وإنّما يتمتّع بحالةٍ من الثقة تُعينُه على أن يكتشف بعض أسرار الحياة ما دام فيها، ويكون أيضاً عاملاً مكمّلاً لإخوته.
الثقة بالنفس بشكلٍ فرديّ، لكن هذه الثقة لو عُمّمت سنحصل على جماعةٍ يثقون بأنفسهم، ثمّ تتوسّع الدائرة الى أن يكون هذا المجتمع السمةُ الطاغيةُ عليه أنّه مجتمعٌ يثق بنفسه وبقدراته ويثق بقابليّاته، وبالنتيجة عندما نتكلّم نتكلّم وتحتنا أرض صلبة ناشئة من هذه الذخيرة التي سعينا لتربيتها.
ثانياً: هناك زرعة الهمّة، ومعنى الهمّة هي حالةٌ من الطموح المشروع، فالإنسان عنده همّة يعني لا يكسل دائماً، فهو هميمٌ في إنجاز بعض ما يستطيع أن يؤدّيه، بعيدٌ عن الكسل بعيدٌ عن الخمول، وهذه الهمّة دائماً ما تكون عند الشباب، أيضاً أقول إنّ هذه الهمّة محاطةٌ بحصانة، خوفاً من أن تُستغلّ من الشابّ على نفسه يعود بالضرر، همّةٌ فيها استنطاق لقابليّاته واستنطاق لجهوده.
هذان الأمران -الثقةُ بالنفس والهمّة- لابُدّ أن تعزّز باحترام البلد، وهذه المسألة قد يرى بعض الإخوة أنّنا دائماً ما نكرّرها، والحقيقةُ أنّ هذه الفطرة -فطرة محبّة الأوطان- هي فطرة الإنسان أن يحبّ بلده، لكن محبّة البلد هذه قد تعاني من مشاكل، وهذا جرحٌ كبير لا نريد أن نفتحه الآن، لكن الإنسان عندما يتربّى على محبّة بلده من الطفولة الى الشباب وتكون جزءً من ثقافته العامّة، سيحرص أشدّ الحرص على إبعاد كلّ شرٍّ عن بلده والسعي دائماً الى جلب الخير له، فإذا تصدّى الى موقعٍ من المواقع إداريّاً كان أو سياسيّاً أو اقتصاديّاً أو اجتماعيّاً سيختصر علينا مجموعةً هائلة من التوجيهات والكلام، لماذا؟ لأنّ هذا الأمر أصبح عنده ملكة، هو يسعى الى أن يحافظ على بلده من كلّ نتوءٍ زائد فلا يحتاج بعد ذلك الى أن نبيّن له خطورة الرشوة مثلاً، فالإنسان الذي يحبّ بلده يبتعد عن هذه المسألة، قد يدفعه دافعُ المحبّة غير الوازع الدينيّ أن يرى أنّ هذه الرشوة ستبدأ تنخر في بلده، فهو بالنتيجة سيُعاني صراعاً نفسيّاً ما بين ما يتكلّم ويقول إنّي أحبّ بلدي، وبين ما يعمل خارجاً أنّه خلاف هذه المحبّة.
لذلك في بعض الحالات حتّى في اصطلاحاتنا العرفيّة نقول: هذا شخصٌ متربّي، ما معنى متربّي؟ يعني ما نريد منه وما يريد منه بلدُه وما يريد منه مجتمعُه هو يعرف حدوده فلا يتجاوزها، ويعرف حدود الآخرين أيضاً فلا يتجاوز عليهم، هذه المسائل لابُدّ أن تُزرع إخواني، لاحظوا كثيراً ما نتكلّم ونقول ونوجّه لكن هناك جهةٌ لابُدّ أن تلتفت، صاحبُ القرار من يكون؟ تارةً صاحبُ القرار جهةٌ اجتماعيّة وتارةً أخرى صاحبةُ القرار أسرةٌ وتارةً صاحبةُ القرار دولةٌ، وتارةً صاحبةُ القرار منظّمةٌ بالنتيجة الإلزامات لابُدّ أن تتحقّق، وسنعرّج على نقطةٍ أخيرة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat