رد هشام دَاوُدَ على فارس بن خزام
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

رد الكاتب د . هشام دَاوُدَ على مقالة فارس بن خزام المنشورة في جريدة الحياة جاء فيه
بعيدا عن الشخصنة عند تقييم ما كتبه فارس بن حزام، والتوقف عند هوية الكاتب وارتباطاته السياسية والامنية، والبلاطية التي يقف عليها، "مقالته" هذه ضعيفة، تكشف عن محدودية معارف كاتبها، وبالتالي ليس غريبا ان تظهر النتيجة عشوائية.
بشكل سريع :
- وجه السيستاني المقرر للعراق لا يعود لشباط ٢٠٠٥ (النيوزويك) بل قبل ذلك التاريخ. ليقرأ غسان سلامة والاخضر الابراهيمي (كي لا نذهب بعيدا)،
- المدونة الدستورية الاولى للعراق ما بعد ٢٠٠٣ اسمها الدستور وأما القانون الانتقالي للعراق فكان مقترحا قدمه الامريكان وبماركة مجلس الحكم (نوفمبر ٢٠٠٣)، واعترض عليه السيستاني داعيا الى انتخاب مجلس تاسيسي عبر اقتراع شعبي مباشر. وهذا ما يجهله، على ما يبدو، "الكاتب"،
- لا يتطرق الدستور لدولة دينية، بل نقرأ في ديباجته إستحالة تشريع قوانين بالضد من الدين وايضا باستحالة تشريع قوانيين بالضد من الشرائع الدولية والمحلية المخالفة لحقوق الانسان (هنا توازن بين الديناميكية السياسية الدينية لتلك اللحظة وتطلعات العراقيين احتراما لتعدديتهم)،
- بعدها يرى "الكاتب" في سبب هذا الفشل العراقي كونه يقترب (ويناغي) النموذج اللبناني دون ان يدرك لحظة بأن الانتخابات العراقية تقر باهمية قرار الفرد، وأن كل انسان يعادل صوت مستقل مهما كان مذهبه ودينه وطائفته،
- اما عن المعارضة وتكاتف الاحزاب الدينية الشيعية المزعوم، فهذا طرح متسرع، يجهل تركيبة الاحزاب السياسية الدينية تلك، الشيعية منها والسنية،
- لا اريد ان اقارن بين النموذج العراقي ونماذج بلدان الخليج، ولا بين السيستاني ومفتي المملكة، فالاخير ينطلق من محمد بن عبد الوهاب وابن باز لمعرفة العالم (اقر أبن باز حتى وفاته بأن الارض مسطحة)، في حين درس السيستاني منذ السيتينات اهم الكتب العلمية الدينية الى جانب ابن خلدون وحتى كارل ماركس وروسو، الخ. السيستاني يقر بان الشعب هو مصدر السلطات ومفتي السعودية يقر بان المواطن هو رعية وفاقد للخيار ومربوط بحاكمه مهما كانت قدرته وسياساته. السيستاني يقر بالتعددية الدينية واحترام الكنائس ودور عبادة الاديان الاخرى. فهل هناك من يستطيع منافسته من رجال الدين في المنطقة والخليج ؟
السيستاني يقبل بدولة مدنية وبحكومة يقودها حتى غير مسلم، شرط ان يكون (او تكون) نزيها ومفيدا لبلده. في اغلب مكاتبه المنتشرة في العراق والعالم نقرأ الجملة الشهيرة : "البشر صنفان، اما اخ لك في الدين او شقيق لك في
الانسانية !". ماذا نقرأ في مكتب ابن الشيخ ؟
- نعم السيستاني رجل دين، واحيانا نطالبه بما يتجاوز بعده الاول هذا. رغم ذلك، هو يقبل بحكم القانون والمؤسسات، واحترام الدولة اينما كانت.
- السيستاني انسان حكيم، فتوى منه قادرة على تحويل شرق المملكة العربية السعودية الى ارض مواجهة كي تنتزع الاغلبية المذهبية هناك حقوقها المدنية والطبيعية، وذات الشيء في البحرين. لكنه رفض ذلك، لانه يؤمن بالتسامح والتوازن المجتمعي الداخلي المبني على القانون والتعددية...
- السيستاني، كرجل دين من المشرق المثقل بجراحاته، متقدم حتى على جميع القادة السياسيين للمنطقة، وهو متقدم بسنوات ضوئية على رجال دين المنطقة. كنت اتمنى ان يتوقف "الكاتب" عند هذه النقطة،
- اما الجملة االاخيرة من المقال فتحمل كمّا غير مبررا من الاهانة المجانية للعراقين، وجهل بتاريخهم، ليس فقط القديم، بل والحديث ايضا، كالقول أنهم غير قادرين على الاصلاح، وهم قادرون فقط على التكيّف مع ما يفرزه الحكام والاتفاقات الدولية...
...................
مقال العراق «تحت» عمامة السيستاني
فارس بن خزام
................
بعد أن نجح العراق في تنظيم أول انتخابات برلمانية، ظهرت في شباط (فبراير) ٢٠٠٥ صورة المرجع الديني علي السيستاني على غلاف مجلة «نيوز ويك» تحت عنوان: «وجه العراق الجديد»، وفي أسفل الغلاف سؤال جوهري: هل سيستخدم آية الله علي السيستاني نفوذه ليشكل دولة ديموقراطية أم دينية؟
الإجابة واضحة بعد كل هذه السنين، فبقصد أو من دون قصد، أشرف السيستاني على صياغة الشكل الجديد لعراق ما بعد صدام؛ عراق متديّن. ولولا شجاعة شرائح واسعة من العراقيين، لصار نسخة جديدة من شكل إيران؛ دولة متطرفة بغطاء ديموقراطي، إذ طوّق غطاء السيستاني العملية السياسية بأفكار دينية، وطوال تلك الأسابيع تصدر شخصياً المشهد السياسي للبلاد، ولم يمضِ القانون المنظم لشكل الدولة الانتقالية من دون مباركته، بل أشرف شخصياً على تدوين دور الدين في الدولة، ما جعل من متطرفي الشيعة حكاماً وقادة أحزاب تسيّر العراق ١٥ عاماً.
وخلاصة ذلك، نظام حكم ببرلمان فرضه المتطرفون على الشعب، وحكومة عاجزة عن اكتمال التشكيل، وهذه نتيجة لنقل النماذج الفاشلة من لبنان إلى العراق.
في 100 عام، جرّب العراق كل النماذج العربية؛ نظام ملكي، شيوعية عبدالكريم قاسم، قومية عبدالسلام عارف، بعثية البكر وصدام، احتلال، إسلام شيعي متطرف. وكل أنموذج نال قسطاً من «مئوية» العراق بعد نهاية العثمانيين؛ ٣٧ عاماً للملكية، ومثلها للبعث، خمسة أعوام للشيوعية، ومثلها للقومية.
وفي شأننا المعاصر، لم يكن جل معارضة البعث طوال عقود من المتدينين، بل إن حجمهم كان ضئيلاً مقابل التيارات الأخرى المعارضة في «عالم صدام حسين»، غير أن تكاتفهم، مع الدعم الإيراني وغطاء السيستاني، انتهى إلى هذا الأنموذج البائس في الحكم، وإدارة شعب غني بحضارته وثرواته، فمع كل حكم كان النسيج الاجتماعي الداخلي في الأرياف يتشكل وينسجم مع اتجاه الحاكم، وتبقى المدن حاضرة المعارضة. ولذا، عندما أتى الحكم الحالي خاض معركة التوجيه خارج بغداد، وأعاد ضبط مسارها إلى اتجاهه، وبلغنا هذه النتيجة: العاصمة للحكومة، والمدن والأرياف للأحزاب المتطرفة.
واليوم، لا شيء يوحي بالتغيير الجوهري، سيمضي العراق في هيئته الحالية تحت رحمة الأحزاب الدينية سنوات طويلة مقبلة، وهي سُنة الحياة السياسية في بلاد الرافدين، فشعبه لا يسعى للإصلاح والتغيير من تلقاء نفسه، بل يتكيف مع الموجود، وهو ما أنتجته اتفاقات سلام دولية قبل قرن، وانقلابات عسكرية فكرية، واحتلال فشل في تركيب نظام صالح.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat