صفحة الكاتب : الشيخ د. احمد خضير كاظم

المنظومة الأمنية عند النبي وال بيته عليه وعليهم السلام (4) صلح الامام الحسن عليه السلام
الشيخ د. احمد خضير كاظم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

من صفات القيادة الناجحة هو الاختيار المناسب للقرار الملائم في الوقت الملائم ...فتغيير القرار يعتمد كليا على وقت اتخاذ القرار و لأننا في هذه السلسلة من المقالات نتعرض الى قراءة في المنظومة الأمنية للنبي و ال بيته عليهم الصلاة و السلام نستعرض اهم الصفات القيادية التي تحلى بها ال البيت عليهم الصلاة و السلام وكيف استطاعوا بفضل جهادهم الأمني و الأساليب المبتكرة ان يحافظوا على الإسلام و ان ينقلوه للأجيال المختلفة و أحد اهم تلك الشخصيات القيادية المظلومة من ال البيت عليهم الصلاة و السلام هو شخصية الامام الحسن عليه الصلاة و السلام ففي الوقت الذي يحاول الاعلام ان يصف الامام الحسن عليه السلام بانه رجل يحب الحياة و النساء و انه رجل مطلاق (يتزوج ويطلق) و يلصق به صفة الضعفاء  ...و الخ نقرأ اليوم معكم بنود صلح الامام الحسن عليه الصلاة و السلام قراءة جديدة بحسب المنظور العصري للقيادة و النظام السياسي .... فبداية نلاحظ ان النبي وال البيت عليهم الصلاة و السلام كانوا غالبا ما يعانون من قلة وعي الاتباع الأمني وهذا ما استعرضناه في المقالات السابقة .... و لكي لا نظلم المجتمع المسلم الذي وقف مع النبي عليه الصلاة و السلام في معاركه و وقف مع امير المؤمنين عليه الصلاة و السلام في معارك الجمل و صفين و النهروان ثم وقف مع الامام الحسن عليه الصلاة و السلام حتى اجتمع له جيشا تعداده اثنا عشر الفا ( بعد ورود انباء عن تجهيز معاوية جيشا للسير الى الكوفة) ارسلهم تحت قيادة عبيد الله بن عباس و قيس بن سعد لكن ما نشكوه قلة الوعي الأمني كما قدمنا .... و كان الامام الحسن عليه الصلاة و السلام يعد الى تجهيز جيش يصل تعداده الى أربعين الف للاعداد الى المعركة النهائية فذهب الى المدائن و ارسل الى عماله ليلحقوا به ... لكن عيون و جواسيس معاوية كانت لا تهدئ و لاتنام مستغلة كل فرصة و كل لحظة لاطلاق الشائعات و إشاعة التفرقة و المشاكل يدعمها في ذلك قلة الوعي الأمني لمجتمع الكوفة حتى قيل ان الناس نهبوا خيمة الامام الحسن عليه الصلاة و السلام وسحبوا مصلاه من تحته و جرحوه أيضا (مجتمع يحتوي على عدة أصناف من الجواسيس و النفعيين و الخوارج و المعادين و الحاقدين و الحاسدين و الخ).... و كان على قائدا الهي (منصب للامامة من الله سبحانه وتعالى)همه الإسلام و الحفاظ على بيضة الإسلام ان يضع نصب عينه هذه الخروقات الداخلية و التي تشكل خطورة اكثر من جيوش معاوية (إضافة الى خطورة جيش الروم الجرار الذي بدا باستغلال انفكاك المسلمين للثار والقضاء على الإسلام و الذي اضطر فيما بعد معاوية ان يصالحه على مئة الف دينار) لم يكن للامام الحسن عليه الصلاة و السلام الا ان يختار طريق ابيه بعد وفاة النبي الاكرم عليه الصلاة و السلام ( الذي اختار حفظ بيضة الإسلام و وحدة الدولة الإسلامية و رعايتها من التفكك حتى هب المجتمع بدعوات من كبار الصحابة مثل ام المؤمنين عائشة و عمر بن العاص لاصلاح مسير الخلافة الإسلامية التي ابتعدت كثيرا عن سيرة النبي الاكرم صلى الله عليه و اله و لم تجد سوى امير المؤمنين عليه الصلاة و السلام هو المصلح فطالبته ان يتسلم زمام الأمور و يعود بالإسلام كما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه و اله ليحارب على التاويل كما حارب صلى الله عليه و اله على التنزيل) وان يبقى الى ان يكشف المجتمع زيف القيادات المدعية و المتولية للحكم لينهض ضد الحكومة الفاسدة و لهذا السبب ذاته نرى ان الامام الحسن عليه الصلاة و السلام اختار طريق الصلح وكما علله الامام بانه لنفس المصلحة من اختيار النبي الصلح في الحديبية رغم معارضة بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه و اله يومها .... و لهذا نرى ان الامام الحسن عليه الصلاة و السلام و على صحة قول بعض المؤرخين بتفكك جيشه وقلة أنصاره (وهذا ما سناتي على تبطيله) لم يختار طريق الثورة كما فعل الامام الحسين لان صداها يوم الحسن لم يكن لياخذ صدى ثورة الامام الحسين لان الاعلام كان سيقف و يروج بانها معركة المصالح  الكراسي و لكن بعد عشرين عام عندما كشف المجتمع زيف حكومة معاوية و فسادها وكذبها ثار و ارسل الاف الرسائل للامام الحسين مطالبين بإعادة تفعيل فقرات الصلح....

بنود الصلح : من خلال قراءة بنود الصلح نرى ان الامام الحسن عليه السلام قد املى بنوده من مركز قوة لا ضعف فقد ذكر المؤرخون ان معاوية ارسل كتابا ابيضا مختوما بختمه فارغا ليملي الامام الحسن عليه السلام شروطه ... كما ان بنود الصلح تضمنت بنود قوية نعرف من خلالها ان مركز القوة و الغلبة كانت للامام الحسن عليه الصلاة و السلام باستثناء شرط واحد وهو ان يتولى معاوية الحكم و على ان يكون الامر من بعده للحسن وان حدث له حادث للحسين عليه السلام ونستعرض اهم بنود الصلح :

البند الأوّل: تسليم الأمر ـ الخلافة ـ إلى معاوية على أن يعمل بكتاب الله وسنّة رسوله.

البند الثاني: أن تكون للحسن الخلافة من بعده، فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية أن يعهد بها إلى أحد.

البند الثالث: أن يترك سبّ أمير المؤمنين والقنوت عليه في الصلاة، وأن لا يذكر علياً إلاّ بخير.

البند الرابع: استثناء ما في بيت مال الكوفة وهو خمسة ملايين درهم وتكون بحوزة الإمام الحسن، وأن يفضّل بني هاشم في العطاء والصلات على بني أُمية، وأن يفرّق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل وصفين مليون درهم، وأن يجعل ذلك من خراج دار أبجرد.

البند الخامس: الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وأن يؤمن الأسود والأحمر، وأن يحتمل معاوية ما صدر من هفواتهم، وأن لا يتبع أحداً بما مضى، وأن لا يأخذ أهل العراق بأحنة وحقد، وعلى أمان أصحاب علي حيث كانوا، وأن لا ينال أحداً من شيعة علي بمكروه، وأنّ أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وأن لا يتعقّب عليهم شيئاً ولا يتعرّض لأحد منهم بسوء، ويوصل إلى كلّ ذي حقّ حقّه، وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت الرسول غائلة سراً ولا جهراً، ولا يخيف أحداً منهم في أُفق من الآفاق.

فكتب معاوية جميع ذلك بخطّه وختمه بخاتمه، وبذل عليه العهود المؤكّدة والأيمان المغلّظة، وأشهد على ذلك جميع رؤساء أهل الشام

قراءة بنود الصلح من الناحية السياسية :

أولا : ان يتولى الامر ( الخلافة ) معاوية على ان يعمل بكتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه واله ...و هذا الذي لم يحدث فكان المجتمع المراقب يشاهد معاوية وهو يغير في سنة رسول الله و لايعمل بكتاب الله حتى وصل الامر الى ان يصلي الجمعة في يوم الأربعاء وغيرها ...فما ادخله من البدع معاوية الكثير و كان يدرجها تحت الاجتهاد بالراي و الصواب وقول العقل و الخ...

الثاني : ان تكون الخلافة بعده للحسن عليه السلام فان حدث له حادث فللحسين عليه السلام فمن الطبيعي ان لايامن الحسن معاوية المعروف بغدره وتدابيره و خططه الخبيثة فكان عليه ان يضمن عودة الامر ( الخلافة الى ال البيت عليهم السلام) بعد حقن الدماء في وقت الصلح.

لبند الثالث: أن يترك سبّ أمير المؤمنين والقنوت عليه في الصلاة، وأن لا يذكر علياً إلاّ بخير... وهذا الذي لم يعمل به معاوية ولا بني امية الى ان جاء عمر بن عبد العزيز فترك سب امير المؤمنين من على المنابر ...وهذه النقطة بالذات هي التي كان على المجتمع ان يراقبها من البداية فالذي لا يلتزم بعهوده ومواثيقه لا يثق بعهوده اما المجتمع و الشعب و قادر على ان يسرق مقدراتهم و يوزعها بين خاصته وهذا ما حدث في مابعد معاوية فنرى ظهور القصور و الجواري و الامراء الى غيره...

البند الرابع: استثناء ما في بيت مال الكوفة وهو خمسة ملايين درهم وتكون بحوزة الإمام الحسن، وأن يفضّل بني هاشم في العطاء والصلات على بني أُمية، وأن يفرّق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل وصفين مليون درهم، وأن يجعل ذلك من خراج دار أبجرد.

نرى ان الامام لم ينسى شيعته وشعبه ومجتمعه فلذا خصص جزء من الميزانية ليكون حكما ذاتيا يوزع بين يتامى المجاهدين الذين جاهدوا مع ابيه عليه الصلاة و السلام و كذلك حدد خراج ابجرد ليفوت على معاوية التحجج من عدم كفاية الإيرادات فنرى ان تسمية الامام الحسن عليه الصلاة و السلام الذي خرج من أمواله عدة مرات يقسمها ما بين الفقراء و هو المعروف بعطاءه الكريم حتى سمي بكريم اهل البيت من هذا التخصيص و رجع و تملص معاوية من هذا الشرط بعد ان اغتال الامام الحسن عليه السلام بتحججه ان اهل البصرة رفضوا تسليم خراج ابجرد و قالوا انه فيئنا فقطعت الإيرادات عن المجتمع .

 البند الخامس: الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وأن يؤمن الأسود والأحمر، وأن يحتمل معاوية ما صدر من هفواتهم، وأن لا يتبع أحداً بما مضى، وأن لا يأخذ أهل العراق بأحنة وحقد، وعلى أمان أصحاب علي حيث كانوا، وأن لا ينال أحداً من شيعة علي بمكروه، وأنّ أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وأن لا يتعقّب عليهم شيئاً ولا يتعرّض لأحد منهم بسوء، ويوصل إلى كلّ ذي حقّ حقّه، وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت الرسول غائلة سراً ولا جهراً، ولا يخيف أحداً منهم في أُفق من الآفاق

و هذا بالذات لا يعمل به من صفته الغدر و الخيانة فبعد عدة محاولات فاشلة لاغتيال الامام الحسن عليه السلام استطاع معاوية من خلال المنتفعين و الجواسيس ان يصل الى جعدة وان يقنعها بدس السم الى  الامام الحسن عليه الصلاة و السلام طارد مواليه و شيعته في كل مكان و منع عنهم إيرادات دار المسلمين ومسح أسمائهم من الديوان و قتلهم في البلدان ومنهم حجر بن عدي وقبره معروف...

و كان المجتمع ساكتا منتظرا ان تنتهي مدة خلافته حتى عهد لابنه يزيد فلما راى المجتمع رفض الامام الحسين عليه الصلاة و السلام مبايعة يزيد وقوله مثلي لا يبايع مثله كتبوا اليه ليعيدوا العمل في بنود الصلح و لذا قال الامام الحسين عليه السلام في معركة الطف بعد ان تكلم عن نسبه بانه ابن بنت نبي الإسلام فقال  فإن كنتم في شك من هذا فتشكّون أني ابن بنت نبيكم فوالله ليس ما بين المشرق والمغرب ابنُ بنتِ نبىّ غيري فيكم ولا في غيركم. ويحكم! أتطلبونني بقتيل منكم قَتَلْتُه أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة؟ فأخذوا لا يكلمونه، فنادى: يا شبث بن ربعي! ويا حجّار بن أبجر! ويا قيس بن الأشعث! ويا يزيد بن الحارث! ألَمْ تكتبوا إليَّ أنْ قد أينعت الثمار واْخضرّ الجَنابُ وإنما تقدِم على جند لك مجندة»؟ الخ

من هنا نستدل من صلح الامام الحسن عليه السلام ان من اهم سمات شخصية الامام الحسن و الامام الحسين عليهما السلام هو تفويت فرصة إيجاد السبب من الأعداء ليتقولوا و ليرموا بتهمهم بل على العكس أصبحت المجتمعات عبر كل الازمان شاهدة على ظلم بني امية وقتلهم اكثر من سبعين طفلا بعد منع الماء عنهم بدون سبب او جريمة ارتكبها ابائهم و لذا كان صلح الامام الحسن عليه السلام وثيقة قانونية ادانت جرائم بني امية و كانت ثورة الامام الحسين عليه السلام استكمالا لهذا القانون الذي فضحهم و عراهم و هذا هو الانتصار الأمني السياسي ان تتسلط على القلوب عبر الأجيال المتعاقبة جيلا بعد جيل محتفظا برونق الثورة الحسينية و الصلح الخالد ......


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ د. احمد خضير كاظم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/10/20



كتابة تعليق لموضوع : المنظومة الأمنية عند النبي وال بيته عليه وعليهم السلام (4) صلح الامام الحسن عليه السلام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net