عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الخامِسَةُ (٤)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر

يعترضُ البعضُ مُتسائِلاً؛ أَلم يخُن أَهل الكوفة أَمير المُؤمنين (ع) وإِبنهِ الحسن السِّبط (ع)؟! فلماذا، إِذن، وثِقَ بهم الحُسين السِّبط (ع) وأَعادَ الكرَّةَ معهُم لينتهي بهِ الأَمر إِلى ما انتهى بأَبيهِ وأَخيهِ عليهما السَّلام؟!.
طبعاً؛ هذا الإِعتراض يشبه في جوهرهِ إِلى حدِّ بعيدٍ إِعتراض الملائكة على الله تعالى عندما أَخبرهم بانَّهُ جاعلٌ في الأَرْضِ خليفةً، في تفاصيل القصَّة القُرآنيَّة المعرُوفة؛
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ.
فمن جانبٍ هناك فلسفةٌ للقيامِ في سبيل الله تعالى والنَّاس، كما أَنَّ هُناك فلسفةٌ لبعثِ الأَنبياء والرُّسل في الأُمم على مرِّ تاريخ البشريَّة.
ويجب أَن تبلُغ هذه الفلسفة مداها مهما كانت الظُّروف والمَخاطر والتحدِّيات.
فَلَو أَنَّ كلَّ قومٍ قتلُوا نبيَّهم إِمتنع الله تعالى عن إِرسالِ غيرهِ لفقدت البِعثة فلسفتَها ومغزاها! ولقالَ كلُّ جيلٍ واحتجَّ على الله تعالى بقولهِم {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ۖ}.
أَلم يقتُل بنو إِسرائيل عشرات الأَنبياء بين الطُّلوعَين [الفجر والشَّمس]؟! فهل توقَّفت البِعثة النبويَّة؟! أَبداً!.
يَقُولُ الله تعالى؛
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ ۗ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ.
وكلَّما نهضَ المُصلحون لإِنجاز التَّغيير بأُممِهم بادرهم اليائِسون والمثبِّطون بالقول {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.
فَلَو أَنَّ كلَّ مُصلحٍ وثائرٍ وصاحبِ مشروعٍ رساليٍّ حضاريٍّ تغييريٍّ نظرَ إِلى الصَّفحات السَّوداء في سجلِّ أُمَّتهِ لما تصدَّى أَحدٌ ولما نهضَ أَحدٌ ولما سجَّل التَّاريخُ أَيَّة صفحةٍ بيضاء! وبالتَّالي لأُلغيت معاني التَّضحية من أَجلِ الحقِّ والعدلِ!.
لقد حدَّد الإِمام أَميرُ المُؤمنينَ (ع) شروط النُّهوض والقيام بالأَمر فإِذا تحقَّقت على أَرض الواقع وجبَ الأَمرُ على صاحبهِ، كما قَالَ الحُسين السِّبط (ع) {وَأَنا أَحَقُّ مَنْ غَيَّر}.
أَمَّا شرُوط النَّهضة فهي كالتَّالي {أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْلَا حُضُورُ الْحَاضِرِ وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ وَمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَلَا سَغَبِ مَظْلُومٍ لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ}.
وبهذهِ الشُّرُوط قامت الحُجَّة على الحُسين السِّبط (ع) فكانت كربلاء وكانت عاشوراء! فإِذا تغيَّرت في مُنتصف الطَّريق فليسَ الإِمامُ هو الذي يُلامُ وإِنَّما الذي يُلامُ هو الذي غيَّر وبدَّلَ وانقلبَ على عَقِبَيهِ.
ويستمِرُّ المُصلِحُون بمُحاولاتهِم مهما تكرَّرت وعظُمت التَّضحيات في كلِّ مرَّةٍ! فليسَ في تاريخِ أُمَّةٍ من الأُممِ نجاحات فقط أَو فشل فقط!.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat