التحدي من قوانين الخلق الذي يسري بقوة وعنفوان بين الموجودات الساعية فوق التراب , ولا يمكن للحياة أن تتواصل إذا إنتفى التحدي من سلوكها , لأنها ستفقد الحماس والغاية وتعيش في مستنقعات البهتان والتفسخ والإنحلال والإنقراض.
فالتحدي ضرورة حتمية وسلوك دائب يحفّز الأحياء على التفاعل والتجدد والرقاء.
وهذا ينطبق على المخلوق الفردي والجمعي , بمعنى الجماعة أو الشعب والأمة , وكما نسميها الدولة أو الوطن , وما إلى غير ذلك من التوصيفات التجمعية الحاصلة في دنيا البشر.
ولهذا تجد الدول القوية تبحث عن مواطن التحديات وتريد أعداءً وإن لم تجدهم تختلقهم , لكي تحافظ على قدراتها وطاقاتها المتوجهة نحو هدف آخر خارج حدودها أو حولها , وبذلك تضمن تصريف الطاقات وتصويبها بدلا من إنحباسها وتفجرها في الداخل.
ولذلك فالحروب ديدن دائب , والسلام غائب , فالحرب توفر المهارات الكفيلة بتنمية القدرات البقائية والتفاعلات الإبداعية والإبتكارية , ولولا الحروب لما وصلت الدنيا إلى هذا العصر المزدحم بالإبداعات المادية والتقنية الغير مسبوقة , وكلما قامت حرب أوجدت معطيات جديدة وتقدمت البشرية إلى أرقى مما كانت عليه قبلها , وإمتلكت قدرات القوة والتمكن المتجددة المتنامية المتوافقة مع حجم التحديات المتفاقمة.
والسلام معروف بأنه يشيع الطمأنينة ويخمد إرادة النفس المتحدية , فيخمل الإبداع ويضعف الكيان المجتمعي والوطني , وتصاب الحياة بأمراض البدانة والترهل والسمنة والسكتة الحضارية , وما يتصل بها من تداعيات وإنهيارات متنوعة.
وتجدنا اليوم أمام مجتمعات تريد القوة والهيمنة , وهي تسعى لصناعة التحديات لتحافظ على وحدتها الوطنية , ولتقلل من الصراعات الداخلية وتمضي في تنفيذ مشاريعها الإقتدارية , ومجتمعات خاملة خامدة لا تفهم هذا القانون وتحسب أن التحدي نوع من البهتان , فيتحقق فيها ما يمزقها ويدمر قدراتها وممكنات بقائها وتطورها وإنسجامها مع عصرها.
ومجتمعاتنا العربية غريبة في أطوارها وما يبدر منها من سلوك , فقد وهبت ما يعزز قوتها لكنها بدلا من الإستثمار الإيجابي في التحدي , إنكفأت على ذاتها وتأسنت وأوجدت بركا وأحواضا ومستنقعات لتنمية الآفات وإطلاق التصارعات الداخلية , التي أنهكتها ووفرت الفرص لأعدائها للإستثمار فيها وتدميرها , وتحويلها إلى شظايا كينوناتية وفئوية وتحزبية تسعى للإنقضاض المتوحش على بعضها البعض , مما جعل العربي عدو العربي ومخاصمه اللدود.
ولن تتمكن المجتمعات من صناعة إرادتها والوصول إلى غاياتها , إن لم تدرك ضرورات التحدي ووجوب التماسك والعمل المتلاحم لإنجاز صالح مشترك.
فالقوة ذات فوهة موجهةً نحو هدفٍ واضح معلوم لكي تدوم!!

التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!