العراق ..الطائفية والمنطقة
عبد الخالق الفلاح
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبد الخالق الفلاح

وفقا لتصنيفات النظم الاجتماعية المقارنة، يعد المجتمع العراقي من المجتمعات المتعدد الطوائف ، يعتقد الكثيرين من المتابعين ان في العراق حكم طائفي قائم على المحاصصة السياسية وهذا في الواقع صحيح أجبر عليه بعد الاحتلال عام 2003 نتيجة السياسات التي وضعت له من قبل العوامل الخارجية التي تسلطت عليه والمجتمع العراقي لا يختلف عن مجتمعات الدول في المنطقة بل يطابقها بأشکال کثيرة من التعدد سواء کان تعدد ديني ومذهبي، أو ثقافي ولغوى، أو اجتماعي قبلي وعائلى ومناطقية، أو تعدد أثنى ومن هنا عمدت الولايات المتحدة بعد عام 2003 تسييس المکونات والانتماءات الأولية الطائفية (دينية، عرقية، قبلية، عشائرية) لكي يسهل عليها ادارتها وفق ما رسمته وتخطط له، ورغم أن هذه التکوينات والانتماءات لها جذورها في المجتمع العراقى، إلا أنها عمقت الصراعات فيما بينها، وذلک من خلال سياسات وممارسات عديدة التي عملت عليها في توزيع المسؤوليات بموجبها عليهم .
ولم تخرج المجتمعات وخاصة العربية عن هذا النسق المجتمعى، بل هى من أکثر المجتمعات التى تزخر بالتعدد بکافة أشکاله وألوانه، وکان هذا التلاقى بين الثقافات والانتماءات الأولية يشکل عامل تقوية لمجتمعات هذه الدول حيث بنت من خلالها عدة حضارات عريقة، لکن نتيجة للحروب والصراعات السياسية وظاهرة الاستعمار المختلفة التي شهدها العالم العربى نشبت مفاهيم وقضايا الطائفية والأقليات، وقد أضحى هذا التنوع يشکل عائقاً أمام التماسک الاجتماعى مع ظهور مشاعر الاستبعاد التى يغذيها الإحساس بالمظلومية من التخصيص السلطوى للقيم وتفاوت أو عدم عدالة توزيع الموارد والثروة بين المکونات المجتمعية فى المدن والريف.
و باتت القوى العالمية تعمل على تشدد ظاهرة الطائفية لكي يكون تحديا لصالح قواها عالمياً وإقليمياً ومن خلال عوامل داخلية تغذى أزمتها ، حيث تصب هذه الظاهرة وتتحول المجتمعات من 'مجتمعات مواطنة' إلى 'مجتمعات مذهبية' فى خدمة مشروع الهيمنة التي تعمل عليها بعض الدول لتنشيط أدوار الأحزاب الطائفية التي تعمل معها في داخل تلك الدول ، لهذا السبب تعاني أكثر الدول في المنطقة من معوقات داخلية وتحديات خارجية لإحداث عملية التطور الديمقراطى نحو الدول المدنية الحديثة لا تقوم على علاقات وروابط الطائفية السياسية، وتنبع هذه المعوقات من البيئة الداخلية للنظام السياسى أو ما يعرف بالسياق المجتمعي للنظام السياسى، وأيضا تهديدات البيئة الخارجية إقليميا ودوليا ، مما ادى الى ضعف مردود التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي طالت مجتمعاته، فلم تکتمل خصائص النظم الديمقراطية فى النظام الإقليمى العربى، ولازالت الطائفية السياسية والاجتماعية مکون أصيل وقد اقترنت بعدم الاستقرار السياسى فى عدد من دول المنطقة.
لذلك من هنا فان من الاهمية فهم ظاهرة الطائفية ومحاصصة الحکم والحکومة والبرلمان وبما ينعکس على فاعلية الدولة وقدرتها ومدى نجاح أو إخفاق السياسات العامة، مع عدم إغفال دور العامل الخارجى وعلاقته بالداخل.
لقد نشطت الدراسات حول الطائفية الاجتماعية والسياسية في المنطقة منتصف سبعينات القرن الماضي ولم تحظي قبلها اهتمامات ظاهرة كثيراً و لم يتم تناول ارتباطها بتأخر المنطقة العربية عن مواکبة الموجة الثالثة للديمقراطية، والتأخر في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى المنطقة العربية ، کما أنه بعد زيادة دور المتغير الخارجى بنشر الديمقراطية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، وارتباطها بجماعات سياسية معينة خاصة من الأقليات، وزرع النزاعات الأهلية والانقسام الاجتماعى فى بعض الدول العربية، وتنامي خطر الإرهاب والتيارات الراديکالية، وتفاقم تدهور الأحوال المعيشية والخدمية العامة في دولها، أدى إلى تأجيج الأوضاع الداخلية وتهديد الدولة العربية، والعودة إلى التمرکز حول أطياف الانتماءات الأولية وتهديد الانسجام الاجتماعى بين هذه المکونات وبالأخص فى منطقة الشرق الأوسط وبالأخص العربية منها.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat