العراق ..النزاعات والصراعات الطائفية
عبد الخالق الفلاح
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبد الخالق الفلاح

المتابع لما بعد التغيير الذي حصل في العراق عام 2003... يجد ان التداعيات والنتائج التي خلفها ذلك التغيير لا يزال قائمة إلى يومنا هذا، مما ارخت حزمة الامال في نفوس المواطنيين وجعلتهم منقسمين وغير واثقين من مستقبلهم المجهول الذي ينتظرهم ومن الماَل الذي يأخذهم إليه سياسيا والقادة منشغلون بمصالحهم ومطامعهم الضيقة ، بلا شك ' لا يمكن اعتبار المجتمع العراقي استثنائيًّا في تعدد طبقاته وأقسامه وفي تنوعه الإثني والطائفي والديني ولا في تحولاته عبر الزمن، فهو في ذلك يشبه الكثير من مجتمعات العالم، لكن تميزه يبدو واضحًا قياسًا بمعظم بلدان المشرق العربي في وحدت مجتمعه على خلاف سياسيه ، والسبب يعود إلى التاريخ والجغرافيا اللتين رسمتا ملامح واضحة للعراق دولة ومجتمعًا، فالعراق هو نتاج تحولات تاريخية كبرى وبالغة الامجاد، وقد جعل موقعه الجغرافي في التخوم الشمالية الشرقية للحوض العربي ساحة استقبال دائمة للهجرات من المحيط الآسيوي.
لقد ظل العراق منذ سقوط الطاغية وازلامه ، يعاني من اضطرابات وأزمات وغياب مستمر لحالة الاستقرار وأحد أهم الأخطاء الكارثية التي حدثت في العراق عام 2003، هو تفكيك مؤسسات الدولة وإضعاف السلطة المركزية مما خلق هذا الاختلال الهيكلي في السلطة حالة لدى المواطن العادي تتمثل في العودة إلى الولاءات القبلية والدينية والعرقية، فعزز المساهمة في تفتيت الدولة وسيادة الخطاب الطائفي والانقسامات والتوترات بين طوائف المجتمع الواحد و ساهمت في خلق حالة من الفوضى نتيجة الممارسة المشوهة للديمقراطية و في تعزيز قبضة الحكام المستبدين في المنطقة والذين كان حكمهم غير كفوء أو ثقيل اليد إذا ما تم النظر اليه ومقارنته بالذي يحصل في العراق من انهيار النظام والجرائم التي ترتكب نتيجة للاقتتال الداخلي و طغت مشاهد التوترات على هذا البلد ذي الحضارة العريقة و مشاهدة المعارك والقصف والمدافع، التي لم تفارق الشعب العراقي لسنوات عديدة و لم تترك ندوبا عميقة في قلوبهم فحسب، بل خلفت أيضا علامات حرب لا تحصى على الجدران المضادة للانفجار. فهذه الصور على الجدران هو نتاج الحرب القاسية التي احدثت من دمار والمشاهد يجد كانه حلت نهاية حضارة بلد صنع أول حضارة في تاريخ البشرية، و مثل هذا التغيير نهاية دولة تمثل قلب الشرق الأوسط ودخولها مرحلة الضياع والانهيار بعد أن كانت هي الدولة الرائدة والقائدة وبناءه القيم وركنه الركين وعصبته المتينة ، ان الطائفية لا تُختزل في كونها ردّة فعل سطحية أو استدعاء ميكانيكيًا لذاكرة ماض مقموع، بل تمثّل تصدّعًا داخليًا في نسيج التجربة المشتركة، وتتحول إلى أحد أنماط إعادة إنتاج الصراع، حين يتداعى العقد السياسي في اي دولة جامعة، ويتقوّض العقد الاجتماعي كأساس للتماسك والعدالة، فتغدو الدولة فراغًا سلطويًا وأمنيًا قابلًا لملئه بالانتماءات ما دون الوطنية.
الطائفية في العراق فهي قضية يمكن تجاوزها اذا ما صدقة النيات وعادة الثقة لان المجتمع لازال متماسك وبعيد عنها ، ولكن تلعب دورًا هامًا في تحديد المشهد السياسي والاجتماعي في يومنا هذا و يشكل الانقسام الطائفي الذي تعمل عليه الاحزاب والكتل والائتلافات العاملة في الساحة السياسية بين المتسلقين والانتهازين والبسطاء بالمال والاغراءات للسنة والشيعة والاكراد والعرب وبقية الاقليات الاخرى تحديًا رئيسيًا لعدم استقرار العراق ووحدته وتحولت الطائفية بعد سقوط نظام البعث إلى ظاهرة سياسية اكتسبت بُعدًا رسميًّا من خلال توزيع المناصب فيما سُمي بالمحاصصة منذ مجلس الحكم في يوليو/تموز 2003، لكن أثر ذلك ظل محصورًا بالنخب السياسية ولم تشهد امتدادًا اجتماعيًّا مباشرًا. إن التنافس على السلطة والموارد والمكانة كانت دوافع إضافية وراء مظاهرها وتجلياتها الحديثة، وقد أدت مأسسة الهويات الطائفية إلى نشوب صراعات حول مكانة وحدود وقوة كل طائفة، وقد كان لهذه الصراعات أثر مزعزع للاستقرار، خاصة عندما كانت تضفي مشروعية على أعمال الجماعات التي تمارس العنف وتدعي تمثيل طوائفها والتي لا تُفهَم ضمن حدود الوعي أو الأخلاق فحسب، بل تُقارب كبنية سياسية–خطابية، ومصلحية–وظيفية، تستعيد فاعليتها كلّما غابت السياسة كمجال جمعي منظم، أو فشلت في إدارة التعدد ضمن مشروع وطني متماسك. من هنا، فإن تشخيص الظاهرة الطائفية في سورية ما بعد ديسمبر 2024 لا يُعدّ ترفًا نقديًا ولا تمرينًا توصيفيًا، بل ضرورة معرفية وسياسية عاجلة، تتطلب تفكيك الشروط العميقة التي تعيد إنتاجها، لا الاكتفاء بإدانة تمظهراتها ، ومن هنا لقد شكّل التنافس بين الطوائف فيما بينها والمذاهب فيما بينها والقوميات فيما بينها أساساً محوريا للصراع السياسي في الدولة العراقية الحالية بسبب تقسيم مغانم مما ساهمت هذه الحالات و الاعاقات والتوتّرات الطائفية في التأخر لعمليات بناء الدولة وزعزعة استقرار البلاد وأن الحكومات العراقية التي تعاقبت فشلت وعجزت في أن تستطيع في تقديم اي بادرة واضحة للتغلّب على هذه الانقسامات وبناء هويّة وطنية مشتركة ، لابل أن العديد من الإجراءات التي اتّخذت حتى الآن لم تؤدِّ إلا إلى مزيد من تفتيت الدولة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat