سوق العمل في العراق.. نصف مليون طلب توظيف يفضح عمق الانسداد الاقتصادي

كتابات في الميزان /كشفت أرقام المتقدّمين على وظائف العقود في محافظة بغداد عن ملامح صادمة لـ أزمة سوق العمل في العراق، بعدما تجاوز عددهم نصف مليون شخص خلال أقل من شهر، في مشهد يجسد الانسداد المتفاقم بين عرض العمل ومحدودية الفرص.

سلّط إعلان محافظة بغداد عن أعداد المتقدّمين على وظائف العقود الضوء مجدداً على الواقع المرير الذي يعيشه سوق العمل في العراق، في ظل ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب وتضاؤل فرص التوظيف، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص.

وكشف بيان رسمي صادر عن المحافظة أن عدد المتقدمين خلال 26 يوماً فقط من فتح باب التقديم على العقود بلغ أكثر من 505 آلاف شخص، توزعوا بين جانبي الرصافة (277,603 متقدماً) والكرخ (218,635 متقدماً).

وبحسب الإحصاءات، بلغ عدد الذكور من المتقدمين 333,175، مقابل 163,063 من الإناث، وكانت النسبة الأكبر ضمن الفئة العمرية من 18 إلى 25 سنة، بـواقع 242,015 متقدماً، وهو ما يعكس حجم التحدي الذي يواجه الخريجين الجدد والداخلين حديثاً إلى سوق العمل.

ورغم وجود قوانين تحفّز على الانخراط في القطاع الخاص، إلا أن ضعف الثقة المجتمعية وقلة الضمانات القانونية، بالإضافة إلى غياب التوعية، دفعت غالبية الشباب إلى البحث حصرياً عن فرص عمل داخل مؤسسات الدولة، التي لم تعد قادرة على استيعاب هذا الزخم المتزايد من العاطلين.

بنية الاقتصاد العراقي

ويرى مختصون أن هذه الأرقام تكشف عن أزمة مركّبة، تتجاوز مسألة شحّ الوظائف لتلامس بنية الاقتصاد العراقي نفسه، الذي يعاني من اختلال واضح في توزيع الفرص.

ومن أبرز الأسباب التي تعمّق هذه الأزمة، بحسب مختصين، دخول العمالة الأجنبية إلى السوق المحلي، وما يرافقه من تفضيل أرباب العمل للعمالة الوافدة بسبب انخفاض كلفتها وغياب الالتزامات القانونية تجاهها، وهو ما أزاح آلاف العراقيين من قطاعات مثل البناء والخدمات.

من جهته، حذّر الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش من أن أرقام البطالة باتت “مخيفة وخطرة”، مشيرًا إلى أن التحدي لا يقتصر على غياب الوظائف، بل يمتد إلى نظرة الشباب القاصرة تجاه القطاع الخاص، وتراجع الوعي بأهميته في بناء اقتصاد مستدام.

وقال حنتوش إن “عدداً كبيراً من الشباب العاملين في القطاع الخاص يتجنبون التسجيل في الضمان الاجتماعي، ويفضلون الاعتماد على الرعاية الاجتماعية، نتيجة لضعف الحوافز وضعف التثقيف الاقتصادي والإعلامي”.

وأضاف، أن “القوانين التي تنظم العمل في القطاع الخاص تعد متقدمة، خاصة ما يتعلق بشمول العاملين بالتقاعد والضمانات الاجتماعية، لكنّ التطبيق لا يزال دون الطموح، وهو ما يجعل الشباب ينظرون إلى الوظيفة الحكومية كخيار أوحد”.

وأكد أن “تفعيل القطاعات الحيوية كالصناعة، والزراعة، والنقل، سيسهم في خلق فرص عمل مستدامة، بينما الاكتفاء بالتعيينات الحكومية، التي تخضع لضوابط مالية وإدارية، لا يمكن أن يشكّل حلاً طويل الأمد”.

تضارب في نسب البطالة

بدورها، أعلنت وزارة التخطيط انخفاض معدل البطالة إلى 13%، بناءً على نتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي الأخير الذي أجري بالتعاون مع البنك الدولي.

وقال المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي، في تصريح للوكالة الرسمية، إن “القطاع الخاص بات شريكاً أساسياً في تنفيذ المشاريع وتوفير فرص العمل”،

مشيراً إلى أن “مشاريع البُنى التحتية كالسكن والماء والكهرباء والمجاري والطرق، تساهم بخلق آلاف فرص العمل في مختلف المحافظات”.

لكنّ خبراء يشككون في هذه الأرقام، مشيرين إلى أن البطالة بين فئة الشباب قد تتجاوز 25% فعلياً، وسط غياب نظام رصد دقيق لحالة سوق العمل، وعدم توفر قاعدة بيانات محدثة تربط بين العرض والطلب.

ويبدو أن الحلول المطروحة حتى الآن تفتقر – وفق مختصين – إلى رؤية شاملة، إذ أن الاعتماد على التعيينات الموسمية أو العقود الطارئة، لا يعالج الجذور الحقيقية للأزمة، بل يؤجلها، في وقت يتطلب فيه الواقع الاقتصادي خطة متكاملة لإعادة هيكلة سوق العمل وتفعيل الاقتصاد الإنتاجي.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/06/12



كتابة تعليق لموضوع : سوق العمل في العراق.. نصف مليون طلب توظيف يفضح عمق الانسداد الاقتصادي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net