مصابك يا موسى أبن جعفر (ع) أدمى قلوبنا
الشيخ احمد الساعدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ احمد الساعدي

أيها الإمام المظلوم، يا باب الحوائج، يا سجين الدهور، كيف لنا أن نرثيك وقد سُطرت حياتك بآيات الصبر وكيف لنا أن نُجسد ألم قلوبنا في كلمات ونحن نعيش ذكراك في كل يوم كأننا نراك محمولاً على أكتاف الأحبة، جسداً قد أنهكه السجن والظلم، مسموماً مضطهداً وأنت النور الذي أضاء دروبنا في ظلمات الجهل والظلم
يا كاظم الغيظ، يا من تحملت سلاسل الطغيان وصبرت على ظلم الظالمين وأنت تعلم أن طريق الحق مليء بالأشواك. سجون الطغاة لم تُطفئ نور إيمانك، ولم تكسر عزيمتك. كنت كالجبل الراسخ، حاملاً هم أمتك، مذكّراً كل من حولك بالله، مُظهرًا عظمة الصبر في وجه الظلم والعدوان.
ما أشد المصيبة على قلوب شيعتك يا إمامنا نجلس في هذه الذكرى الحزينة نتذكر كيف قُطعت عليك أنفاس الحرية، وكيف حُرمنا من نورك الذي كان يشع في الأرض هداية ورحمة. حملناك في قلوبنا كما حملتك الأجيال قبلنا، ودموعنا تنهمر كأنهار حزناً على فقدك.
أي قلب لا ينفطر وهو يسمع عن سنوات سجنك الطويلة عن ذلك القيد الذي كان يضغط على معصميك الطاهرين، وعن زنزانة لا يعرف ضيقها إلا من عاش فيها بلا ذنب ولا جرم سوى أنك كنت سيف الحق في وجه الباطل.
يا مولانا، لقد أبكيتنا، ولم يكن بكاؤنا مجرد دموع عابرة، بل هي دموع تجسد الحنين لحضرتك، والشوق لرؤيتك وأنت تجلس بين أحبائك، حراً تنشر علمك وفضلك. لكن هيهات أن يتركك الطغاة، فقد كنت شوكة في عيونهم، وكلمة حق تزلزل عروشهم.
إن مصابك يا موسى بن جعفر أدمى قلوبنا، وجعلنا نتساءل عن حال الأمة التي تركتك تُسجن وتُقتل مظلوماً. كيف لنا أن نصبر على ذكراك ونحن نتألم من ظلمهم لك كيف لنا أن نعيش يومنا ونحن نعلم أن جسدك الطاهر ارتقى شهيداً في ظلمات السجن
صبر الإمام الكاظم عليه السلام
إن الصبر الذي حمله الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ليس كأي صبر. لقد كان صبراً مغموراً برضا الله وتسليم كامل لمشيئته. لم يكن صبره مجرد تحمل للظلم، بل كان مدرسة تعلم الأجيال كيف يكون الإيمان الحقيقي، وكيف تكون التضحية في سبيل الله.
لقد جسد الإمام الكاظم عليه السلام قول الله تعالى: "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"، فلم يشتكِ يوماً رغم ما عاناه من أذى السجن وظلم الطغاة. كان عليه السلام يرى في السجن خلوة مع الله، وفي القيود فرصة للتأمل في عظمة الخالق.حينما نقرأ عن حياة الإمام في السجن، نشعر وكأننا أمام معجزة إنسانية. لقد كان الإمام الكاظم عليه السلام سجيناً بجسده، لكن روحه كانت طليقة ترفرف في أجواء الملكوت. كان يذكر الله في كل حين، ويحول ظلمات الزنزانة إلى نور بإيمانه وعبادته.
المصاب الأعظم
إن مصاب الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ليس مجرد حادثة تاريخية عابرة، بل هو جرح غائر في قلب كل مؤمن. لقد استشهد الإمام مظلوماً مسموماً، وكانت جنازته شاهدة على حجم الظلم الذي تعرض له.
كيف لنا أن ننسى تلك اللحظات الأليمة التي وُضع فيها جسد الإمام الطاهر على جسر بغداد، وأُهينت كرامته بأبشع الصور كيف لنا أن نتخيل أن نور الله على الأرض يُترك على ذلك الجسر بلا غسل ولا كفن، بينما كانت قلوب المؤمنين تتفطر حزناً
يا مولاي، يا كاظم الغيظ، كلما مرّت علينا هذه الذكرى الأليمة، شعرنا بثقل المسؤولية التي تركتها في أعناقنا. مسؤولية الدفاع عن الحق، والثبات على نهجكم الذي رسمتموه بدمائكم الطاهرة.
دروس من حياة الإمام الكاظم عليه السلام
إن حياة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام مليئة بالدروس والعبر. تعلمنا منه أن الصبر هو سلاح المؤمن في مواجهة الظلم، وأن الثبات على المبدأ هو طريق النجاة في الدنيا والآخرة.لقد علمنا الإمام أن الإيمان الحقيقي لا يتزعزع أمام المحن، وأن المؤمن لا ينحني أمام الطغاة مهما اشتد ظلمهم. كان الإمام الكاظم عليه السلام رمزاً للتقوى، ومثلاً أعلى في التواضع والإيثار.حينما ننظر إلى حياته، نجد أنها كانت دعوة مستمرة إلى الله. كان عليه السلام لا يفوت فرصة لتذكير الناس بربهم، وكان يزرع في قلوبهم الأمل برحمة الله. حتى في سجنه، كان من حوله يتأثرون بنور إيمانه، وكان الطغاة يخافون من تأثيره على الناس.
ختاماً
سلام عليك يا باب الحوائج، يا من تحولت ذكراك إلى شعلة تضيء دربنا. سلام على روحك الطاهرة التي ارتقت إلى بارئها مظلومةً مسمومة. نسأل الله أن يجعلنا من السائرين على نهجك، وأن يرزقنا شفاعتك يوم القيامة.
يا مولاي، يا كاظم الغيظ، ستبقى ذكراك خالدة في قلوبنا، وستبقى دموعنا تنهمر حزناً على مصابك، وتجديداً للعهد مع الله أن نكون من أنصاركم وأتباعكم
سلام عليك يوم ولدت ويوم استُشهدت مظلوماً مسموماً، ويوم تُبعث حياً في يوم يأخذ الله فيه بثأرك. نسأل الله أن يعجل فرج إمام زماننا (عجل الله فرجه الشريف) ليعيد لنا الحق ويأخذ بثأر أجداده الطاهرين، ولينشر العدل والقسط في أرجاء الأرض.
يا سيدي، لا زالت القلوب تبكيك، والأنفس تتفطر حزناً على فقدك. سلام عليك يا باب الحوائج في كل حين، وفي كل نفس يُذكر فيه اسمك الطاهر. إنا لله وإنا إليه راجعون.
٢٤ رجب الأصب ١٤٤٦
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat