الجواب لمن يقول: ( دِ عوفوا العالم بحالها )
السيد محسن المدرسي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد محسن المدرسي

كتب لي أحدهم: "دِعوفوا العالم بحالها".
ومع اني لم استطع حتى الان ان اعرف موضع (دِ) من الإعراب، ودلالتها البلاغية!!.. لكن لأني وجدتُ صاحب التعليق شاباً حسن الظاهر طيِّب القلب، له قوة على الادراك والفهم، لا يفيضُ وعاءُ قلبِهِ بعد قراءة سطرين فقط .. فكتبتُ اليه تفصيلاً:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي الكريم..
كأنك تريد أن تقول: (لا شأن لأحدٍ بغيره) وتجعل تلك قاعدةً تدعوني –بالاعتماد عليها- تركَ غيري يفعل ما شاء، ولكنك في نفس الوقت تتدخل في شأني فتمنعني عن فعل ما اشاء.
الا تجد في ذلك بعض الغرابة؟
ولو نظرت – اخي الطيِّب- لوجدت اننّا متفقون متصالحون في وجود "حق التدخل". فحين ترى لنفسك الحق في التدخل في شأني، والتعليق على كتابتي، واستنكارك فعلاً يصدر مني – و لو تسبَّب ذلك لي بعض الازعاج- .. فإنَّك تُثبت هذا الحق لي ، بل للآخرين ايضاً.
واوافقك على ذلك 100%، وأقول: احسنت.
فهذا الحق موجود ولا نقاش فيه، ومن يُنكره مغالط.
كيف؟
لأنه امرٌ فِطري قد نُقش في داخل كل انسان.. وحق التدخل يظهر دائماً في حالات (النقد)، اأا ترى نفسك يومياً تمارس النقد لمن حولك مئات المرات؟! بل حتى الطفل الصغير – لسلامة فطرته- ينتقد فعل غيره اذا وجد فيه بعض الغرابة او الاشكال؟ فكيف تريد سلب الناس ما هو فطرة إنسانية؟
و اذا استطاع احدٌ أن يمنع مجتمعاً هذه الفطرة - بحجبها او تشويشها- صار مجتمع مسوخٍ لا بشر. لأن البشر حين لا يمارس هذا الحق، فذلك يعني عدم اكتراثه بغيره ، وعدم الاكتراث دليل الحيوانية لا الانسانية.. فتأمل.
وكم سمعنا خبراً في مجتمعٍ قد شُوِّشت فيه هذه الفطرة، شاهدوا امرأة تتعرض للاغتصاب، فلم يحرِّكوا ساكناً.. لأنهم لا يجدون سبباً او حقاً في اعتراضهم على فعل الفاعل – كما حصل قبل فترة في بعض الدول الاسكندنافية- فهل عدم الاكتراث دليل الإنسانية او مناقضها؟
فحق التدخل لمنع الآخرين عن الخطأ، حقُّ فطري .. وهو حق متبادل .. حق لي وحقٌ لك عليّ! أي حقٌ لي أن اتدخل ، وحقٌّك عليّ لأمنعك عن الخطأ.
دعني اضرب لك مثالا: لو رأيتَ حيَّة سامة تتجه نحو صديقك (النائم)، هل تتركه بحاله او توقظه ؟ .. قطعاً ستفعل ذلك، واذا لم توقظه فلدغته الحية، الا تكون شريكاً في دمه.. السؤال: الا ترى في ايقاظك له ازعاجاً له؟ ألا يعد ذلك تدخلا في شأنه؟ .. هنا تقول فطرتك: هذا حقُ صديقك عليك.. فلينزعج قليلاً، فان خطر موته او اصابته اهم بكثير من انزعاجه الوقتي.
اذاً..
كلامك .. "دعوفوا الناس"، امرٌ يخالف فطرتك انتَ. فلا اناقشه.
وانما ما صرنا نختلف انا وانت عليه- وان لم تصرِّح به- تشخيص الخطأ، او بعبارة ادق "المنكر". فأنت تنتقد النهي عن المنكر هذا، لأنك لا تراه خاطئاً، ومُنكراً.. والدليل لو تكلمتُ في أمرٍ نتفق على خطئه، كالفساد السياسي، والمالي، او المخدرات، او انتقدتُ اتباع زعيمٍ سياسي ترى فساده .. فستختفي الكليشة "دعوفوا الناس" .. بل ستؤيدني وتشجعني على فعلي هذا.
اليس الفاسد و من يؤيده .. ينطبق عليه لفظ الناس؟
فالفرق حقيقة
اني أرى المفاسد الأخلاقية (منكراً) .. وانت لا ترى ذلك .. وربما تراها (منكرا) بسيطاً لا يستحق الاهتمام.
وانت ترى الاهتمام بها والنهي عنها (منكراً).. وانا لا أرى ذلك.
فدعنا من الالتفاف.. فمن هذه اللحظة فصاعداً بدل استخدام هذه الكليشة .. نحتاج أن نتحاور في اصل الموضوع: ما هو منكرٌ؟ وما ليس بمنكر؟.. ومن يحدد المنكر؟ ولماذا صار منكرا؟
لأنه – بصراحة- حين نستخدم المغالطات، او نترك موضوع النقاش الحقيقي لنحوم حول الموضوع، سوف لا نصل الى نتيجة ولو بعد الف عام.
فصديقي .. اذا وجدتَ نفسك مستعداً للنقاش لتحديد ما هو (منكر).. فاعلمني ذلك.
تحياتي لك.
السيد محسن المدرسي
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat