• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تجليات علوية قراءة بلاغية في قصيدة الوائلي "غالى يسارٌ واستخفَّ يمينُ" .
                          • الكاتب : وفاء الطويل .

تجليات علوية قراءة بلاغية في قصيدة الوائلي "غالى يسارٌ واستخفَّ يمينُ"


 يُعَدّ الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (رحمه الله) عميد المنبر الحسيني في العصر الحديث، وقد جَمَعَ في خطابه بين سمو الفكر، وشفافية الروح، وجزالة التعبير، وكان شاعرًا موهوبًا يمتلك ناصية البيان، مُمسكًا بأدوات البلاغة العربية العريقة.  

في قصيدته "غالى يسارٌ واستخفّ يمينُ"، يقف الوائلي أمام مقام الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ذلك المقام الشامخ الذي حيّر العقول، وأربك مواليه ومعاديه على حد سواء، من خلال بنية لغوية رصينة، وتدفق شعوري عميق، رسم الوائلي ملامح هذا المقام السامق، مستنهضًا البيان بأبهى حلله وبأرقى الإلهامات.
تسعى هذه الدراسة إلى الكشف عن البنية البلاغية والفنية في هذه القصيدة، مستجليةً عمق التجربة الشعرية، وطرائق التعبير، ومواطن الجمال الفني، ومحللةً إيقاعات النص وما تنطوي عليه من دلالات شعورية وفكرية.
تنطلق القصيدة من إشكالية قديمة-متجددة: كيف يمكن الإنصاف في الحديث عن الإمام علي (عليه السلام) بين الغلاة الذين رفعوه لمرتبة الربوبية، وتفريط الجاحدين الذين جحدوا حقه
ومن هذه الإشكالية تتشعب مضامين القصيدة في اتجاهات متعددة:
- بيان مقام الإمام علي (عليه السلام) الذي لا تُبلغه المبالغات ولا تُدركه التقصيرات.
- تصوير مكانته التاريخية والروحية المتفردة.
- رسم مفارقات الواقع: كيف يتعرض العظماء لحسد الصغار ونقمة الناقصين.
- العروج إلى مقامات العشق الإنساني للفضيلة والعظمة كما تمثلها شخصية الإمام.
- الردّ الضمني على الحاسدين والشانئين ببيان عجزهم عن طمس النور الإلهي.
القصيدة تسير على خيط رفيع بين الاحتفاء الواعي والتبجيل العقلاني، مما يجعلها نموذجًا فريدًا في أدب المديح العلوي.
اعتمد الدكتور الوائلي على طائفة واسعة من الصور البلاغية، أبرزها:
1- الاستعارة والتشبيه:
- (تُجْفَى وتُعْبَدُ): ازدواجية الموقف تجاه الإمام، استخدمها الشاعر لترميز تناقض الأمة.
- (أَأَبَا تُرَابٍ وِلِلْتُرَابِ تَفَاخِرٌ): قلب العلاقة بين النسبة والمُنْتَسب، التراب يفخر بعلي
- (وَالعَيْشُ دُوْنَ العِشْقِ أَوْ لَذْعِ الهَوَى / عَيْشٌ يَلِيْقُ بِمِثْلِهِ التَأْبِيْنُ): تشبيه العيش الخالي من الحب بالجسد الميت، تصوير بارع.
- (تَكْسُوا وَأَنْتَ قَطِيْفَةٌ مَرْقُوْعَةٌ): المفارقة بين الغنى المعنوي والتواضع المادي في شخصية الإمام.
- (أَتَخَافُ مِنْ غَرَقٍ وَأَنْتَ سَفِيْنُ): استفهام إنكاري في صورة رمزية شديدة الإيحاء بالمقام العلوي.
2- التجسيد:
- (فَإِذَا المُبَالِغُ فِي عُلاَكَ مُقَصِّرٌ): تصوير المبالغة بأنها كائن يمكن أن يغالي وهذا الكائن رغم مبالغته هو مقصر.
- (وَتَرُقَّ حَتَّى قِيْلَ فِيْكَ دُعَابَةٌ / وَتَفْحُّ حَتّى يَفْزَعُ التِنِّيْنُ): شخصنة للخلق الجامع بين الرقة والبأس.
3- الرمزية:
- (بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالهراسُ وَخَيْبَرٌ): إشارات تاريخية أصبحت رموزًا لعظمة الإمام.
- (مَتَى الْتَقَى المَذْبُوْحُ وَالسِكِّيْنُ): رمز لاجتماع الضحية مع قاتلها، كناية عن استحالة المحبة من الأعداء.
المحسنات البديعية: الطباق: - (يَقْسُو وَيَلِيْنُ)، (الغلوّ والتهوين)، (الدائن والمدين) — كلها تضادّات
الازدواج: - (وَأَنْتَ أَكْبَرُ مَا احْتَوَى وَعْيٌ / وَأَضْخَمُ مَا تُخَالُ ظُنُوْنُ): توازن لفظي جميل يدعم التوازي المعنوي.
- (فَطَلِبْتُ مِنْ ذِهْنِي يَمِيْطُ سَتَائِرَاً / لَعِبَ الغُلُوُّ بِهَا أَوْ التَهْوِيْنُ): ازدواج بصري ودلالي يوصل بلباقة صراع الفهم بين الإفراط والتفريط.
غلب على القصيدة: الأسلوب الخبري، لعرض الحقائق وإقرارها بثبات وقوة، والأسلوب الإنشائي ظهر في مواضع التلهف والدعاء، مما أكسب النص دفقة شعورية رقيقة تخفف من رصانته الفكرية.
القصيدة مبنية على بحر الكامل، حرف الروي النون المضمومة، وهي قافية توحي بالانطلاق. 
تميزت القصيدة بالمديح الواعي ببلاغة عصرية، رغم استلهامه الأساليب التراثية، إلا أن صياغته سهلة مأنوسة بعيدة عن التعقيد.
مقاطع من القصيدة:
غالى يسارٌ واستخفَّ يمينُ = بِكَ يا لِكُهْنِكَ لاَ يَكَادُ يَبِيْنُ
تُجْفَى وتُعْبَدُ وَالضَغَائِنُ تَغْتَلِي = الدَهْرُ يَقْسُو تَارَةً وَيَلِيْنُ
وَتَظَلًُّ أَنْتَ كَمَا عَهِدْتُكَ نَغْمَةً = للآنِ لَمْ يَرْقَ لَهَا تَلْحِيْنُ
فَرَأَيْتُ أَنْ أُرْوِيْكَ مَحْضَ رِوَايَةٍ = لِلنَّاسِ لاَ صُوَرٌ وَلاَ تَلْوِيْنُ
فَلاَ أَنْتَ أَرْوَعُ إِذْ تَكُوْنُ مُجَرَّدَاً = وَلَقَدْ يَضُرُّ بِرَائِعٍ تَثْمِيْنُ
وَلَقَدْ يَضِيْقُ الشَكْلُ عَنْ مَضْمُوْنِهِ = وَيَضِيْعُ دَاخِلَ شَكْلِهِ المَضْمُوْنُ
* * *
إِنِّيْ أَتَيْتُكَ أَجْتَلِيْكَ وَأَبْتَغِي = وِرْدَاً فَعِنْدَكَ لِلْعُطَاشِ مَعِيْنُ
وَأَغُضُّ عَنْ طَرَفِي أَمَامَ شَوَامِخٍ = وَقْعُ الزَمَانِ وَأُسُّهُنَّ مَتِيْنُ

علي الخباز, [19/10/2025 10:56 ص]
وَأَرَاكَ أَكْبَرَ مِنْ حَدِيْثِ خِلاَفَةٍ = يَسْتَامُهَا مَرْوَانُ أَوْ هَارُوْنُ
لَكَ بِالنُفُوْسِ إِمَامَةٌ فَيَهُوْنُ لو = عَصَفَتْ بِكَ الشُوْرَى أَوْ التَعْيِيْنُ
فَدَعْ المَعَاوِلَ تَزْبَئِرُّ قَسَاوَةً = وَضَرَاوَةً إِنَّ البِنَاءَ مَتِيْنُ
* * *
أَأَبَا تُرَابٍ وِلِلْتُرَابِ تَفَاخِرٌ = إِنْ كَانَ مِنْ أَمْشَاجِهِ لَكَ طِيْنُ
وَالنّاسُ مِنْ هَذَا التُرَابِ وَكُلُّهُمْ = فِيْ أَصْلِهِ حَمَأٌ بِهِ مَسْنُوْنُ
لَكِنَّ مِنْ هَذَا التُرَابِ حَوَافِرٌ = وَمِنْ التُرَابِ حَوَاجِبٌ وَعُيُوْنُ
فَإِذَا اسْتَطَالَ بِكَ التُرَابُ فَعَاذِرٌ = فَلأَنْتَ مِنْ هَذَا التُرَابِ جَبِيْنُ
وَلَئِنْ رَجِعْتَ إِلَى التُرَابِ فَلَمْ تَمُتْ = فَالجَذْرُ لَيْسَ يَمُوْتُ وَهُو دَفَيْنُ
لَكِنَّهُ يَنْمُو وَيَفْتَرِعُ الثَرَى = وَتَرُفُّ مِنْهُ بَرَاعِمٌ وَغُصُوْنُ
* * *
بِالأَمْسِ عُدْتَ وَأَنْتَ أَكْبَرُ مَا احْتَوَى = وَعْيٌ وَأَضْخَمُ مَا تُخَالُ ظُنُوْنُ
فَسَأَلْتُ ذِهْنِي عَنْكَ هَلْ هُوَ وَاهِمٌ = فِيْمَا رَوَى أَمْ أَنّ ذَاكَ يَقِيْنُ
وَهَلْ الذِيْ رَبَّى أَبِي وَرَضَعْتُ مِنْ = أُمِّيْ بِكُلِّ تُرَاثِهَا مَأْمُوْنُ
أَمْ أَنَّهُ بَعُدَ المَدَى فَتَضَخَّمَتْ = صُوَرٌ وَتُخْدَعُ بِالبَعِيْدِ عُيُوْنُ
أَمْ أَنّ ذَلكَ حَاجَةَ الدُنْيَا إِلَى = مُتَكَامِلٍ يَهْفُو لَهُ التَكْوِيْنُ
فَطَلِبْتُ مِنْ ذِهْنِي يَمِيْطُ سَتَائِرَاً = لَعِبَ الغُلُوُّ بِهَا أَوْ التَهْوِيْنُ
حَتّى انْتَهَى وَعْيِي إِلَيْكَ مُجَرَّدَاً = مَا قَادَهُ المَوْرُوْثٌ وَالمَخْزُوْنُ
فَإِذَا المَبَالِغُ فِي عُلاَكَ مُقَصِّرٌ = وَإِذَا المُبَذِّرُ فِي ثَنَاكَ ظَنِيْنُ
وَإِذَا بِكَ العِمْلاَقُ دُوْنَ عيَانِهِ = مَا قَدْ رَوَى التَارِيْخُ وَالتَدْوِيْنُ
وَإِذَا الذِي لَكَ بِالنُفُوْسِ مَنْ الصَدَى = نَزْرٌ وَإِنَّكَ بِالأَشَدِّ قَمِيْنُ




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=209303
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 10 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 10 / 23