يأخذني الحزن الى عوالم التجسيد، لأرى فعل الألم كيف يكون عند التدوين، ربما يولد خيالا ابن واقع يحمل غصته عند مرافئ الجراح.. ماذا يا ترى يقول الآن الشهيد عادل جواد كاظم، وهو يحمل الى مثواه الاخير قرب قبر ابن عمه الشهيد حسن حميد كاظم الذي سبقه الى مرتقى الشهادة قبل أيام؟
ألم أقل لك انتظرني يا حسن، لنلتحق بالركب الحسيني الى جنات الخلد، فها أنا كما وعدتك، جئت اليك محمولاً على اكتاف إخوتي، وهم ينادونك: حسن لقد جاءك رفيق صباك، قررت ان لا اتركك بمفردك، أتعلم يا بن العم أن معارك الموصل ذُهلت لقتالي وأنا ألج محارقها، اقتحم وأقاتل قتالاً يذهل الرجال بعدك؛ لأنني كنت اقاتل عني واقاتل عنك، ولهذا وعدتك اني سأتبع اثرك.
حسن.. هل تركت لي مجالاً بالقرب منك، فأنا لا استطيع أن ابعد عنك، سنجلس ونتحدث عن امور كثيرة، فأنا أحمل لك اخباراً كثيرة عن الاهل والاخوة والأحباب، احمل اخبارا عن امك التي ما هدأ لها انين، لقد انهكها البكاء يا حسن، عذبها كثيرا بعدك العويل، فهي تنحب منذ اليوم الاول للرحيل، وأبوك انكسر ظهره بفقدك، وكأن الأربعين يوما أصبحت أربعين عاماً بفقدك يا حسن، والأصدقاء في الجبهة يسألوني عنك، لم يمر حديث دون ذكرك يا حسن، الجميع يعرف ان مصيرنا واحد، ولقد اقسمنا سوية على ان نروي تراب الأرض بدمنا، وسنأوي الى تراب الأم ليغدقنا بالحنين، سنعيد ايام طفولتنا مثلما كنا نلعب.
أيعقل أن نترك التراب حين يعطش لدمنا؟ وأما أنا تركت ابي مريضا، لقد انهكته العلل يا ابن العم، واخشى ان لا يتحمل فراقي، فلقد عذبه فراقك كثيرا، وهو يدري ان الشهادة هي المصير، قم يا حسن، واستقبلني انا بقربك الآن تعال، تعال الي يا حسن..
|