بينما أنا أجول في المطبخ، تدثرت أفكاري بشيء غريب.
ربما ارتدته ثياب التساؤلات، فأصبح لباسا يستر شتاتها ويجمعها تحت سقف التفكر!
كنت احرك الاكلة على النار وارى فيها
الإنسان في لحظات ابتلائه كيف يوضع على نارٍ هادئة.
لا عبث فيها، ولا استعجال.
بل نارٌ تُمهد الطريق، وتكاد تنضج روحه كما تنضج مكونات الطبخة.
في البداية، يُغسل كما تُغسل المكونات من الأتربة العالقة—تُصفَّى روحه من الذنوب، ويُطهَّر من شوائب التعلُّق والتشتت.
ثم يُقطّع، يُفرّغ من بعض ما يحب، يُنتزع منه شيءٌ كان يراه جزءًا منه، تمامًا كما تُقطع الخضروات لتأخذ شكلها المناسب للطبخة.
وهنا، يظهر ضعف أمانيه، تذرف دموعها في صمت. كيف يبتر المرء مما يحب؟
بعدها يُتبل…
تُضاف إليه مرارات وتجارب، لحظات ضعف، وشعور بالحيرة، كما يُضاف الملح والبهار ليُخرج النكهة المختبئة داخله.
ثم يُترك على نارٍ… ليست نار حقد، بل نار تربية، نار تسوي، نار إعداد.
أحيانًا هادئة… وأحيانًا عالية تكاد تحرق، لكنها دائمًا مدروسة.
ولا أحد يتذوق الطبخة في منتصفها، فلو ذقتها وهي نيّئة لظننت أنها لا تصلح، ولو شممتها قبل نُضجها لاستغربت الرائحة…
لكن حين يكتمل النضج، يُرفَع الغطاء، ويُقال: “انظروا كيف أصبح!”
الابتلاء لا يحرق الإنسان… بل يُنضجه، يجعله ألين، أطيب، أكثر فائدة، أشد أثرًا.
وكلما طال وقت النضج، كان الإنسان أكثر عمقًا، وأكثر أثرًا.
كلما بقيت في القدر، كلما أصبحت صالحًا. فكيف نضج الصالحون وصلحوا، لولا الابتلاءات؟
فلا تخف من حرارة الابتلاء…
أنت لست تحترق،
أنت تُطهى.
|