قرأتُ ذات يوم أن الإنسان قد يبذل نفسه وماله وأبناءه لأجل وطنه، فقلت في نفسي:
ألا يعلم الإنسان أن وطنه الأول لم يكن الأرض؟
ألا يدرك أن أول دار سكنها لم تكن تحت السماء، بل فوقها؟
في الجنة… هناك كانت البداية. وهناك فقط، يكون القرار الأخير.
كل ما نحياه اليوم ما هو إلا غربة.
نُولد ونحن نصرخ لأننا فُصلنا عن موطنٍ لا نذكره بأجسادنا لكن أرواحنا لا تزال تشتاقه.
نركض في هذه الحياة، نتعب، نقاتل، نتمسك بالأوهام، ثم ننسى أننا في الأصل من طين نُفخ فيه النور، لا لأجل الأرض، بل لأجل امتحان العودة.
تساءلتُ بعدها:
ولكن الذين لا يحاولون؟ الذين لا يسعون ولا يجاهدون أنفسهم ولا يتغيرون؟
أما علموا أن الجنة لا تعود لمن لا يطلبها؟
أنها لا تُمنح لمن لم يشتق إليها؟
أنها ليست وعدًا مجانيًا، بل دارًا لا تُفتح أبوابها إلا بمفاتيح الإخلاص والعمل واليقين؟
نحن كبشر… عندما نعلم أن الجنة هي وطننا الأول،
أليس من المفترض أن نعمل لأجلها كل شيء؟
أن نشتاق لها كما نشتاق لبيوتنا بعد سفر؟
أن نُحب لقاء الله كما نحب عودة الغائب؟
فإن ضلّ الطريق أحدنا، فلينظر في قلبه…
هل فيه شوق إلى وطنٍ نسيه؟
أم فيه ألف تعلق بوطنٍ لم يكن له أبدًا؟
|