أزمة المياه في العراق بين الهدر وقلة الوارد
تتراوح أزمة المياه في العراق بين قلة الوارد من دول المنابع وبين الهدر والبالغ نحو 4 ملايين متر مكعب يومياً من المياه الصافية وفق أمانة بغداد.
واشارت الأمانة إلى أن حصة المواطن من المياه تبلغ 400 لتر يومياً، وتعد الأكثر بين دول العالم.
أزمة المياه في العراق تصل حد الجائحة
ويؤكد مختصون أن البلاد تعاني أزمة مائية حقيقية تصل إلى مستوى الجائحة، في وقت لا يشعر الفرد العراقي بالتراجع الخطير للمياه وتداعياته السلبية على حياته اليومية، حيث لا يزال يصرف مليار ونصف المليار متر مكعب شهرياً من المياه، رغم أن كل المتوفر في الخزانات حالياً لا يتعدى 7 مليارات متر مكعب.
ويشير المختصون إلى أن العراق البلد الوحيد في العالم الذي يستخدم المياه الصالحة للشرب في غسل السيارات والشوارع رغم وجود الفقر المائي، فضلاً عن كثرة الاستهلاك في الاستخدامات الأخرى، ما يستوجب اتخاذ إجراءات للموازنة ما بين الطلب ومحدودية المياه المتوفرة.
حسب معايير منظمة الصحة العالمية، لا يتجاوز الاستهلاك اليومي من المياه الـ100 لتر في الحالة الطبيعية.
هذا وتشير الدراسات إلى أن الفرد العراقي يستهلك ما بين 500 إلى 800 لتر يومياً، مما يشكل هدراً كبيراً لمستوى وحجم المياه المتداول في ظل الأزمة المائية الراهنة، وفق الباحث العراقي أحمد عيد.
ويعزو عيد سبب الأزمة الحالية إلى “التغييرات المناخية بالدرجة الأساس، فضلاً عن عجز المفاوض العراقي في حل مشكلة الإطلاقات المائية من البلدان المتشاطئة مع العراق”.
ويشدد الباحث على “ضرورة تفعيل دور الإرشاد والرقابة من خلال وسائل الإعلام المتعددة، والجهات ذات العلاقة المسؤولة عن ملف المياه في العراق، بالإضافة إلى تضمين موازنات مالية كافية لتوفير مستلزمات الإرشاد والخزن”.
تؤكد عضو لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية، زوزان كوجر، أن “البلاد تواجه أزمة مياه حقيقية، بسبب سوء الإدارة وكثرة الاستهلاك والطلب على المياه، خاصة مع حلول فصل الصيف، سواء في الشرب أو الصرف الصحي أو الاستخدامات الأخرى، ما سيكون له مردود سلبي على توفير المياه خصوصاً لسكان الوسط والجنوب في المستقبل”.
وتدعو كوجر، إلى أهمية “التوازن ما بين الطلب ومحدودية المياه الموجودة، واتخاذ إجراءات لمنع التجاوز على الحصص المائية والاستخدام السليم للمياه عند الحاجة فقط، والاستفادة من مياه الصرف الصحي للزراعة بعد معالجتها، واطلاق حملات توعية للمواطنين وتشجيعهم على تطبيق الإجراءات الحكومية، بالإضافة إلى فرض قيود لتقليل استخدام المياه بشكل غير سليم من قبل المستهلك”.
من جهته يشير الخبير في مجال المياه، تحسين الموسوي، إلى أن “البلاد تفتقر لثقافة المياه، فلا يشعر الفرد العراقي لحد هذه اللحظة، بالتراجع المستمر في المياه التي ربما أصبحت جائحة لخطورتها، إذ لا يزال يصرف مليار ونصف المليار متر مكعب شهرياً، رغم أن كل ما متوفر في الخزانات حالياً لا يتعدى 7 مليارات متر مكعب”.
وينبّه الموسوي إلى أن “أغلب البحيرات جفت، والخزانات شارفت على الجفاف”.
لافتاً إلى أن “استخدام المياه الصالحة للشرب في غسل السيارات والشوارع تعد أحد أنواع الهدر”.
متفقاً مع ما طرحته زوزان كوجر حول اللجوء إلى إعادة تدوير مياه الصرف الصحي بعد معالجتها ورفع الملوثات عنها واستهلاكها لمثل هكذا استخدامات.
وعن تعزيز ثقافة المياه، كشف الموسوي عن طرح فكرة إدخال عملية استخدام المياه في المناهج التربوية، وإشراك المرأة في عملية ترشيد المياه في الاستخدامات المنزلية.
وكانت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين هينيس بلاسخارت، قد حثت في مطلع الشهر الحالي، دول العالم وخاصة المجاورة منها على مساعدة العراق في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف التي يواجهها.
وتصاعدت أزمة المياه في العراق خلال السنوات الماضية مع تراجع معدلات هطول الأمطار، وقلة مناسيب المياه من دول الجوار التي تمد نهري دجلة والفرات بالمياه، ما أدى إلى تفاقم الجفاف.
إلى أن بات العراق البلد “الخامس في العالم” الأكثر تأثراً بالتغير المناخي، بحسب الأمم المتحدة.
وفي سياق متصل ظهرت مساحات من قاع نهر دجلة في العراق إثر انخفاض منسوب المياه إلى حد غير مسبوق، ما دفع مواطنين لممارسة لعبة كرة قدم فيه بغية تسليط الضوء على حجم الكارثة.
ونشرت منصات محلية، مقاطع فيديو تظهر اعتلاء عدد من المواطنين قاع مساحات من النهر جراء انخفاض حاد بمنسوب بالمياه بين منطقتي الأعظمية والكاظمية ببغداد.
ووثق الفيديو حركة طبيعية للمواطنين الذي يبدو أنهم عبروا إلى منتصف النهر بالقوارب التي ترسو على ضفافه، لتسليط الضوء على انخفاض منسوب نهر دجلة الذي ينبع من تركيا شمالا ويصب في شط العرب جنوبا وبلوغه حدا مقلقا للغاية.
المشهد المتداول أثار غضب عدد من رواد المنصات الذين انتقدوا إجراءات الحكومة لمواجهة كارثة جفاف الأنهار وانخفاض مناسيب المياه المتواصل منذ سنوات.
وندد مغردون بعجز الحكومات المعاقبة على إنشاء سدود مائية لخزن مياه الأمطار وإطلاقها في فترات الجفاف أو ارتفاع درجات الحرارة للمحافظة على حيوية النهر.
ويشهد العراق منذ سنوات انخفاضا كبيرا في مستوى مياه نهري دجلة والفرات، ما أسفر عن جفاف بعض البحيرات والأنهر الفرعية، فيما ترجع وزارة الموارد المائية الأسباب إلى قطع إيران وتركيا (دول المنبع) الإمدادات المائية عن العراق.
ويعدّ العراق من الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ والتصحر في العالم، خصوصا بسبب تزايد الجفاف مع ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز لأيام من فصل الصيف 50 درجة مئوية.
وقد بدأت انعكاسات ذلك تتجلّى في مفاصل عدة، مثل التراجع في زراعة القمح وأرز العنبر، وجفاف بعض البحيرات بسبب قلة الإمدادات المائية والأمطار، والعواصف الترابية المتكررة.
ويبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات في العراق نحو 53 مليار متر مكعب سنويا، بينما تقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب.
ويقدّر خبراء كمية مخزون المياه في العراق بأقل من 5 مليارات متر مكعب، منها 3 مليارات هي مخزون ميت لا يستفاد منه.
أما المخزون الحي المستخدم هو ملياران فقط، لكن العراق لجأ إلى استخدام المخزون الميت من بحيرة الثرثار، باستخدام مضخات عائمة تضخ هذه المياه وهي مياه مالحة وملوثة لا تصلح للزراعة.
ويعاني سد حديثة وبحيرة الثرثار، مشكلة التبخر التي تفقد العراق 10 مليارات متر مكعب من المياه سنويا، وهو ما يعادل ثلث الموارد المائية البالغة نحو 34 مليار متر مكعب.
ووفقا لتوقعات “مؤشر الإجهاد المائي”، فإن العراق سيكون أرضا بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن يصل النهران العظيمان إلى المصب النهائي في الخليج العربي.
وتضيف الدراسة أنه في عام 2025 ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جدا في عموم البلاد مع جفاف شبه كلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي محدود الموارد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat