«إيكونومست» حول حسابات بن سلمان: التخفيف من القيود اجتماعياً والمزيد من القمع سياسياً
ترى مجلة «إيكونومست» في تقييم لإجراءات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن تعلم من الدرس الإماراتي القائمة على القمع السياسي مقابل فتح الباب للحرية الإجتماعية. وجاء في التقرير المعنون: «حسابات محمد بن سلمان» أن ولي العهد منح المواطنين السعوديين حريات اجتماعية أوسع لكنه جردهم من حرياتهم السياسية.
وقالت إن شهر رمضان في السعودية عادة ما كان شهر العفو الملكي وبدلاً من إصدار مراسيم العفو، أضاف محمد بن سلمان، الذي يعد القوة المحركة وراء العرش السعودي، 2000 معتقل سياسي أو أكثر منذ أيلول (سبتمبر).
وفي الشهر الماضي اعتقل «الحمقى» التابعون له، كما تصفهم المجلة، 17 ناشطاً ليبرالياً منهم تسع نساء بعضهن طالبن بحق المرأة في قيادة السيارات.
وتضيف أن الأمير محمد خفف من حدة القيود الإجتماعية، فعقود من الحظر على المرأة قيادة السيارات ستنتهي في 24 حزيران (يونيو) الحالي لكن عندما يطالب المواطنون بحقوق أكثر بدلاً من الانتظار بصبر حتى تمنح لهم بأمر ملكي يكون مصيرهم السجن. ولهذا السبب كان أثر السياسات خانقاً، حيث يتخذ السعوديون الحذر قبل التحدث عن السياسة على الهاتف ويلجأون لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي الخاصة وخدمات الاتصال المشفرة. وقام الكثيرون بتنظيف حساباتهم على التويتر أو أغلقوها.
وكتب أحد الناشطين الثرثارين «آسف لست مستعداً للحديث». ويقول دبلوماسي إنهم كلهم خائفون.
ولا يرى الأمير محمد تناقضاً في هذا، فعقده الاجتماعي يقلد الإمارات العربية المتحدة التي تمنح السكان حريات اجتماعية طالما تخلوا عن السياسية. ففي أقل من عام سيطر الأمير ومباشرة على الإعلام والمؤسسات التجارية أو عين رجاله في مجالس إدارتها. وتم سحق العلماء المؤثرين ومن يمثلون خطراً عليه من الأمراء. ولم يعد هناك حديث عن الانتخابات لمجلس الشورى.
وأعاد الأمير تشكيل أجهزة الأمن في الدولة واستأجر الضباط المصريين السابقين لملاحقة المعارضين. وكان الناشطون يختفون في الزنازين أما اليوم فيتم الكشف عن أسمائهم وفضحهم. وظهرت صور الناشطات على الصفحات الأولى من الجرائد مختومة بكلمات «خائنات» و «جاسوسات» أو «عملاء السفارات» وتقوم البرمجيات الأتوماتيكية أو البوتس بنشر المزاعم فيما يرسل تطبيق «سبايوير» رسائل نصية تمشط الهواتف لتحديد متهمين جدد.
وتم استئجار شركات غربية متخصصة في العمليات النفسية والمساعدة في تشكيل الرأي العام وتضم «أس سي أل» الشركة الأم لشركة كامبريدج اناليتيكا شركة البيانات التي ساعدت دونالد ترامب على الفوز في انتخابات عام 2016. وقامت أس سي أل وهي شركة بريطانية قبل إعلان الأمير محمد عن إصلاحاته الإقتصادية باستطلاعات عدة ركزت على مجموعات من السعوديين العاديين ووجدت أدلة عن حالة سخط واسعة من الملكية ونصحت النظام السعودي بكيفية مواجتهتها.
وتبدو استراتيجية الأمير محمد في قمع المعارضة والتخفيف في بعض المجالات محسوبة. فمع أنه صنع أعداء وهمش زملاء له من الأمراء وأعاد تركيب هيكلة شركات وسجن الليبراليين وأبعد القادة الدينيين إلا أن قلة تطرح أسئلة حول حكمه، وعلى ما يبدو فالسعوديون يتكيفون لاحتمال أن يحكمهم رجل لا يخضع للمحاسبة ولعقود مقبلة.
… وكيف تجعل الأمور أسوأ في اليمن؟ حاول السيطرة على ميناء الحديدة
حذرت «إيكونومست» في تقرير آخر من تداعيات الحملة التي تقوم بها القوات اليمنية على ميناء الحديدة الذي يعتبر الشريان الحيوي للمساعدات الإنسانية وتعتمد عليه غالبية اليمنيين (80%) الذين يعيش معظمهم على حافة الفقر.
وقالت إن القوات اليمنية مدعومة من السعودية والإمارات تتقدم في الأيام الأخيرة. فقد اندفع التحالف الذي تقوده السعودية في الشهر الماضي 80 كيلومترًا شمالًا وصدوا هجمات الحوثيين الذين أخرجوا الحكوة اليمنية من صنعاء عام 2015. وتقف هذه القوات الآن على بعد 12 كيلومتراً من ميناء الحديدة الذي يخضع لسيطرة الحوثيين، ولو سيطر التحالف على الميناء فإنه سيضغط على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون حيث يعيش معظم سكان اليمن. ولو حصل وسيطرت القوات اليمنية على الميناء فستعرقل تدفق المواد الغذائية وتعرض حياة 8 ملايين لخطر المجاعة حسب الأمم المتحدة. ولهذا السبب دعت الأمم المتحدة ودول غربية أخرى التحالف وقف تقدمه. ففي خلال العامين الماضيين أوقفت المناشدات الإنسانية والضغوط الأمريكية القوات المدعومة من الإمارات التقدم نحو الحديدة.
إلا أن السيطرة على الميناء تعني سيطرة التحالف على المناطق الساحلية بشكل يحاصر الحوثيين في المناطق الجبلية ويعطي التحالف ورقة ضغط في محادثت السلام. وتقود الإمارات القوة الرئيسية التي سيطرت على موانئ الجنوب وتتشكل من ثلاث جماعات، أكبرها القوات الجنوبية المكونة من مقاتلين سلفيين وانفصاليين وانضمت إليهم قوات شمالية كانت موالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي قتله الحوثيون العام الماضي بعدما قرر تغيير مواقفه الداعمة لهم.
وانضمت لهذا المزيج قوات سنية تطلق على نفسها «تهامة» بشكل يرفع عددهم إلى 20.000 مقاتل. وفي الوقت نفسه لم يظهر الحوثيون أي إشارة عن التعب. فرغم الضربة المعنوية التي تلقوها بمقتل صالح الصماد، رئيس مجلسهم السياسي إلا أن أمراء الحرب نزلوا من الجبال لتعزيز صفوف مقاتليهم. إلا ان الكثير من اليمنيين يشعرون بالنفور من أبناء الجبال المتحمسين، والسنة الذين يعيشون في المناطق السهلية الساحلية يتذمرون.
وربما وفروا قوات جديدة للتحالف. ويأمل المبعوث الدولي مارتن غريفيثز بأقناع الأطراف التوصل لتسوية يترك من خلالها الحوثيون الميناء في عهدة الأمم المتحدة ويسمح للمصرف المركزي باستئناف دفع الرواتب للموظفين المدنيين في المناطق الخاضعة للحوثيين. لكن شخصاً واحداً قد يقف أمام التسوية، محمد بن سلمان الذي دخل الحرب عام 2015 بناء على طلب من الحكومة اليمنية، فلن يضيع فرصة ليعوق الحوثيين ويسجل نقطة ضد داعميهم الإيرانيين.
«إنترسيبت»: الإمارات تنفي سيطرتها على القوات المتقدمة نحو الحديدة… مع أن أسلحتهم ورواتبهم منها
في تقرير نشره موقع «إنترسيبت» أعدته إيونا كريغ عن المعركة على مدينة الحديدة. وتحدثت عن المقاتلين اليمنيين الذين قالت إنهم من «المقاومة الوطنية اليمنية» التي تضم أعدادًا من المقاتلين الذين يرتدون الصنادل البادي عليهم الهزال وتعب سنوات الحرب ويعرفون بقوات «تهامة» بالإضافة لمقاتلين من «حراس الجمهورية» الذين يقودهم إبن أخي الرئيس علي عبدالله صالح الذي قتله الحوثيون في نهاية العام الماضي وقوات من الإنفصاليين الجنوبيين وسلفيين وقوات سودانية.
تسليح وتدريب
وتشير إلى أن التحالف اليمني هذا تقدم سريعاً منذ أن زادت الإمارات العربية المتحدة دعمها بعد مقتل صالح. ولم يبق من الموالين له إلا عدد قليل ومنهم ابن أخيه طارق الذي فر من المناطق الخاضعة للحوثيين. وسواء كان يريد الانتقام أو بحثاً عن منافع سياسية فقد انضم للقتال ضد الحوثيين وجلب معه قوات جديدة بمن فيهم فرقة من الجنود السابقين في الحرس الجمهوري.
ويقوم الإماراتيون بتدريب مقاتلين جدد وتوفير العربات المصفحة والمصفحات الجديدة لكسر حالة الجمود على خطوط القتال. ونقلت الكاتبة عن قائد ميداني قوله: «بالطبع، نتلقى أوامرنا من الإماراتيين». وتقول كريغ إن الجماعات اليمنية الوكيلة استطاعت في الأسبوعين الماضيين التقدم نحو 50 ميلاً وأبطأ تحركهم آلافاً من الألغام التي زرعها الحوثيون المنسحبين من الحديدة الذين لم يقاوموا كثيراً. ولكنهم وصلوا هذا الأسبوع إلى مديرية الدريهمي التي لا تبعد سوى 10 أميال عن هدفهم النهائي وهو ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون منذ عام 2014. وتضيف أن المقاومة الوطنية اليمنية التي تريد السيطرة على الميناء لا يمكنها التقدم بدون دعم جوي من الطيران السعودي والدعم الميداني الإماراتي.
وحسب مسؤول سابق في البيت الأبيض فإن عدداً من المسؤولين الأمريكيين أشاروا لتعهد الإمارات عدم ضرب الميناء بدون أي دعم أمريكي. وقال جوست هيلترمان من برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية ببروكسل «لا يمكن لهذه القوات النجاج ضد الحوثيين بدون دعم الإمارات ولن تنجح هذه بدون ضوء أمريكي أخضر ودعم». وحتى هذه اللحظة لم تبد الولايات المتحدة استعداداً لدعم هذا الغزو إلا ان هناك تقارير تتحدث عن تغير محتمل في الموقف.
وحسب مصدر أمريكي بارز نقلت عنه صحيفة «وول ستريت جورنال» «هناك ناس يشعرون بالإحباط ومستعدون للقول: دعونا نعمل هذا ونحن نقلب هذه الفكرة منذ وقت طويل. وهناك حاجة لعمل شيء ليغير الدينامية ولو ساعدنا الإماراتيين لعمل هذا بطريقة أحسن، فسيكون جيداً». وتعلق الكاتبة أن النبرة البطولية تناقض التداعيات الكارثية المحتملة لهجوم كهذا. خاصة ان الميناء مهم للمساعدات الإنسانية. فهو مهم للحصول على المساعدات الإنسانية والتجارية برغم القيود الشديدة التي فرضتها السعودية والتي تشمل منع البضائع داخل الحاويات من دخول الحديدة.
تهديد شريان الحياة
ويتوقع مكتب الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة تشرد 340.000 نسمة لو وصل القتال للميناء بشكل يزيد عدداً لثلاثة ملايين تشردوا منذ الحملة التي قادتها السعودية في آذار (مارس) 2015.
ونقلت عن عبدي محمد، مدير مكتب اليمن لـ «ميرسي كوربس» «أي عرقلة لشريان الحياة الحيوي هذا سيكون بمثابة حكم إعدام على ملايين اليمنيين». مشيراً إلى ان الإحتياجات الإنسانية كبيرة وعرقلة العمل في الميناء ستقضي على آمال إبعاد شبح الكارثة الإنسانية.
وتعلق كريغ أن أي نجاح للقوات المدعومة من السعودية والإمارات ليس مضموناً. وحسب تحليل للجيش الأمريكي واطلع عليه موقع «إنترسيبت» فالقوات اليمنية تعاني من نقص الإرادة، بالإضافة لشهر رمضان الذي بدأ منتصف أيار (مايو) حتى منتصف الشهر الحالي والذي أبطأ تقدم هذه القوات.
وقال مقاتلون على الخطوط الأمامية إنهم مترددون في القتال أثناء الشهر. وأشارت الوثائق العسكرية الأمريكية إلى النكسات الأخيرة الت تعرض لها المقاتلون اليمنيون الذين تدعمهم الإمارات عندما حاولوا التقدم باتجاه مدينة تعز والتي يسيطر الحوثيون على جزء منها.
وجاء في وثيقة: «أشار الحرس الرئاسي الإماراتي إلى أن العمليات شرقي المكلا لم تسر حسب الخطة وتكبدوا خسائر فادحة في الأوراح». وذكرت الوثيقة هجوما ضد الحوثيين في عام 2017 في نفس المنطقة قرب البحر الأحمر قامت به قوات النخبة الإماراتية. وتعرض الإماراتيون وعانوا من «مشكلة استخدام الأسلحة وتعطل عملها» ووصفوا المعركة لاحقاً بأنها «جهنمية». ورغم تعهد الإمارات بعدم التقدم نحو الحديدة بدون موافقة أمريكية إلا أنها زعمت عدم قدرتها السيطرة على أفعال الجماعات الوكيلة عنهم بشكل زاد من مخاطر تقدم القوات المعادية للحوثيين نحو المدينة بدون الحصول على تفويض.
وتقول كريغ إن هذا يتناقض مع المشهد على خطوط القتال والذي أكد فيه المقاتلون أنهم لا يتحركون إلا بأوامر إماراتية. وقال الجنود إنهم يتلقون رواتبهم من الإماراتيين فيما اعترف أكثر من قائد ميداني أنهم لا يتحركون بدون أوامر إماراتية بما فيها أوامر من الضباط الإماراتيين المعسكرين قرب ساحل البحر الأحمر. ويرى هيلترمان أن قوة التسلسل القيادي مهم لأن فكرة عدم سيطرة القوات الأمريكية والإماراتية على المقاتلين قد تسمح لهم بالإنكار حالة وقوع هجوم. وتشير كريغ إلى أن أي هجوم ونجاحه ضد الحديدة يعتمد على مهمة المبعوث الأممي، مارتن غريفثز الذي وصل إلى صنعاء في 2 حزيران (يونيو) الحالي والتوصل لحل دبلوماسي ووقف المعركة التي تلوح في الأفق من خلال التوصل لاتفاق مع الحوثيين وانسحابهم من الميناء ووضعه تحت إدارة دولية. وقالت إن سكان الحديدة شاهدوا تعزيزات عسكرية ثقيلة قام بها الحوثيون. فلو تم التوصل لتسوية بين الطرفين فستكون طريقاً نحو سلام دائم. وفي حالة الفشل فستكون بداية معركة مدمرة للسيطرة على المدينة. وحتى تنجح الجهود السياسية فيجب إقناع الأطراف بأن هذه حرب عبثية لا منتصر فيها كما يقول هيلترمان.
«أتلانتك»: الأزمة الخليجية وصلت الصومال وتهدد الاستقرار فيه
ماذا سيحدث لو لم يبق ما يحدث في الخليج فيه؟ سؤال طرحه رئيس مجموعة الأزمات الدولية، ومنسق شؤون الشرق الأوسط والخليج في حكومة باراك أوباما ومستشاره في الحملة ضد تنظيم الدولة روبرت مالي في مجلة «ذا أتلانتك» وجاء سؤاله في معرض الحديث عن الأزمة القطرية التي وصلت هزاتها إلى القرن الإفريقي.
وقال إن الأزمة تبدو عكس قانون لاس فيغاس (ما يحدث في الخليج لا يبقى في الخليج أو حتى يترك أثره على الخليج). فقواعد لاس فيغاس تقول: «ما يحدث في فيغاس يبقى فيها»، بخلاف الأزمة الخليجية التي بدأت عندما قرر تحالف تقوده السعودية فرض حصار على قطر وقدم عدداً من المبررات التي ظلت تتغير- قطر تدعم الجماعات الإرهابية وتتدخل في الشؤون السعودية وتظهر علاقات قوية مع إيران. ولم يحدث تقدم لحل الخلاف وعلى ما يبدو يحضر كل طرف نفسه الصمود على مواقفه في المستقبل القريب. وبالطبع تريد قطر رفع الحصار لكن السعودية وجارتها الإماراتية تريدان الحد من سياسة قطر الخارجية المستقلة. وبالمجمل فقد تعلمت الأطراف التعايش مع الخلاف الذي أصبح جزءاً من مشهد حياتهم. وفي المقابل فإن قاعدة فيغاس المعكوسة تعني أن ما يجري في الخليج يترك وبشكل متزايد آثاراً خطيرة ومزعزعة لاستقرار مناطق أخرى، والصومال هي المثال.
ويقول مالي: «لقد شاهدت هذا عندما هبطت الطائرة في مطار مقديشو. وتوقعت بعد عقود من الحرب الأهلية مشاهدة هيكل عسكري لهذه المدينة الساحلية التي كانت يوماً عظيمة. ولا تزال مقديشو تعاني من العنف، ففي تشرين الأول (أكتوبر) 2017 قتل 600 شخصاً في تفجير شاحنة يعتبر الأكثر دموية في تاريخها. لكن هناك إشارات عن التقدم واضحة، فأعمدة الإنارة تضيء الشوارع، وأكشاش الطعام تفيض بالمنتجات والمحلات طافحة بالبضائع ويتمايل سائقو التوك- توك عبر زحام السيارات ويتجمع السكان على الشواطئ وهناك بنايات جديدة قيد الإنشاء ويتم إعمار القديمة».
تنافس على القرن
لكن التقدم الهش هذا عرضة للخطر ومن مصدر غير محتمل، فقد وصل التنافس الخليجي إلى القرن الأفريقي. ويشير مالي إلى تاريخ الحرب الأهلية التي بدأت بداية التسعينيات من القرن الماضي والتي استمرت مخيمة على البلاد لمدة ثلاثة عقود فيما يعتقد انه أطول نزاع أهلي في العالم. وفي عام 2006 ظهرت حركة الشباب التي انضمت لاحقاً إلى تنظيم القاعدة، واحتلت مساحات واسعة من البلاد بما فيها العاصمة. وحدثت خلال هذا مجاعة عام 2010 قتلت ربع مليون نسمة ولم يبدأ الوضع بالتغير إلا بعد نشر قوات الإتحاد الافريقي حيث بدأ الشباب بالتراجع وعملية بناء الاستقرار. ومع ذلك فالتحديات ضخمة حتى يتعافى البلد بشكل كامل فالمصالحة وتوزيع السلطة والمصادر بين القبائل الصومالية وبين مقديشو والأقاليم أو الولايات الفدرالية لا تزال مهمة صعبة. وكذا بناء قوات الأمن التي عادة ما تتشكل من الميليشيات التي تقسم الولاء أولا لقبائلها ليس القيادة الرسمية. وأثبت حركة الشباب أنها أكثر تصميماً وقدرة على توفير الخدمات وتوليد الموارد المالية أفضل من الحكومة التي يستشري الفساد فيها. وبالمجمل فمسار البلد يبدو إيجابياً، كما أن انتخاب الرئيس محمد عبداللاهي محمد المعروف بفارماجو عام 2017 كان أيضاً مدعاة لأمل آخر.
إلا أن أزمة الخليج التي بدأت في حزيران (يونيو) العام الماضي جلبت معها طبقة جديدة من التعقيد «ولم أكن أتوقع أن يتسيد الشرق الأوسط محادثاتي مع المسؤولين في القرن الأفريقي. لكن وفي كل لقاءاتي، سواء مع رئيس الوزراء، وزير التخطيط الوطني أو الدبلوماسيين الغربيين في العاصمتين الأثيوبية والكينية فقد كان الموضوع السائد هو الخلاف بين قطر ودول الخليج وبشكل محدد الإمارات العربية وما هي آثاره على الصومال والقرن الأفريقي بشكل عام.
إذكاء الصراعات
ففي أعقاب الأزمة وبضغط من القوى الخليجية لاختيار طرف أعلن فارماجو الحياد في الأزمة وعدم تدخل الصومال فيها. لكن الإمارات لم ترض عن الموقف واعتبرت عدداً من التعيينات التي قام بها قريبة من قطر وتتناقض بالتالي مع حياديته. وردت أبو ظبي، على ما يبدو، بمضاعفة دعمها ليس للفصائل الصومالية المتنافسة فقط ولكن الحكومات الفدرالية. وردت حكومة فارماجو، الغاضبة على محاولات تقويض سلطتها بقمع منافسيها مستخدمة في معظم الأحيان علاقتهم مع الإمارات. ووصلت الأزمة إلى ذروتها عندما صادرت الحكومة الصومالية 9 ملايين دولار من طائرة إماراتية في مقديشو وقدمت الحادث كدليل على تدخل أبو ظبي في شؤونها الداخلية. ونفت الإمارات التهم وقالت إن الأموال هي رواتب موظفي الأمن الذين تدفعها منذ وقت. ومهما كان الأمر فالخلاف ترك آثاراً مدمرة وصاخبة. فقد قطعت الإمارات برامج المساعدات وسحبت موظفيها من العاصمة. مما فاقم الصدع من الخلافات الداخلية بين حكومة فارماجو والولايات الفدرالية. وعمق الخلاف من عجز الحكومة والذي كان سبباً في ظهور حركة الشباب. وهناك مخاطر من عودتها بسبب الخلافات هذه ورغم مليارات الدولارات والخسائر البشرية التي دفعت لمواجهته. ويرى مالي أن كل التحديات الصومالية لا يمكن رميها على باب الخليج، فقد كانت المساعدات الخليجية واستثمارات حكامها شريان حياة للكثير من الصوماليين.
ولا يمكن اعتبار النخبة الصومالية التي كانت ماهرة في التعامل مع المحسوبيات الأجنبية، ضحية لا حول لها ولا طول. فقد كانت هذه النخبة بارعة جداً في التلاعب بالأجانب مثل مهارة هؤلاء في التلاعب بها.
إلا أن التنافس بين القوى الخليجية والذي ظهر بشكل واضح في السباق على التأثير حول البحر الأحمر والقرن الأفريقي أعطى بعداً خطيراً لحالة عدم الإستقرار في الصومال. ويعتقد الكاتب أن الوقت لم يفت لإصلاح الوضع من خلال التزام حكومة مقديشو بالحيادية في الخلاف بين قطر والإمارات وإصلاح علاقتها مع الحكومات الفدرالية وعندها ستتوقف دول الخليج عن التدخل في السياسة الداخلية الصومالية ويتوقف اللاعبون الكثر عن استغلال المصالح الإقتصادية والإستراتيجية لدول الخليج وتكييفها لخدمة مصالحهم.
وفي النهاية لن تؤدي هذه الخطوات لوضع حد للنزاع الطويل. فبدون التدخل الخليجي تواجه تحديات المصالحة وتحقيق الاستقرار ومواجهة تهديد حركة الشباب وتجاوز التوتر بين المركز والهامش عقبات كبيرة. ولكن إن استمرت الدول القوية والغنية التعامل مع البلد كساحة حرب يمكن التخلي عنها. ولو تعاملت هذه الدول والفصائل الصومالية مع التنافس من خلال معادلة صفرية غير مناسبة للسياسة المتشرذمة وذات القطبيات المتعددة فإن سفك الدم والخلاف الذي تسبب بالشقاء للصومال سيأخذ منعطفاً أكثر قتامة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat