من الحقائق المثيرة للانتباه أنّ البعض منّا منتجٌ خبيرٌ في إبداء النقد وتسجيل الملاحظة على عمل هذا الفرد وسلوك تلك المجموعة ، بل يحلّق بتنظيراته بعيداً حين يطرح لهما البدائل والحلول اللازمة .. أمّا في عمله وحرفته ورغم تمرّسه اليومي فنجده مفتقداً لأوّليّات الإجادة ، ناهيك عن الركاكة والنتاج الهزيل ..
النقد والملاحظة البنّاءتان تقودان إلى التغيير نحو الأفضل بشرط صدورهما عن علمٍ وتخصّصٍ وعقلٍ مدير وفهمٍ ميدانيٍّ عميق ، وبشرط توفّر الحاضنة المستقبلة .. فالإشراف المتبطّر من على البُعد والتنظير الفضولي والرؤية المنبثقة من الجهل المركّب المذيَّلة بالنقد والملاحظة دون معرفةٍ وافية وتجربةٍ ميدانية كافية ، تعني : ضياع النظم واختلاط الأوراق واستشراء الفوضى والفساد ، وهذا هو أُسٌّ من أُسس التراجع الخطير الذي تعاني منه مجتمعاتنا ولازالت تدور في دوّامته أُمّتنا منذ أمدٍ طويل ، حتى خلّف أسوأ الأثر على واقعنا المعرفي والثقافي والاجتماعي ، بل أخلّ بوعينا الديني واستيعابنا الفكري ونضوجنا السياسي ..
ينبغي أن يكون كلّ شيء في مكانه المناسب وموقعه الصحيح بالتوقيت السليم ، بلا تأثيراتٍ خارجيّة ولا إلقاءاتٍ نفعية ، كيلا نتمرّغ في وحل الفكر الميّت و القاتل ، ولكيلا تتداخل الأُمور وتشتبك القضايا ، حتى يعرف كلٌّ حدّه ومقامه ، وحتى تكون الغاية الأرقى والهدف الأسمى هما المصلحة العامّة والسعادة المعهودة .
وحينما نفشل في محاولةٍ فلا مجال لتكرارها ، إذ المجرَّب لايجرَّب .. وحين نرى التعميم وكلّيات أبي البقاء لاتجدي نفعاً فعلينا بالمكاشفة النخبويّة حتى وإن استدعت جلد الذات بمعناها الأخصّ أو الأعمّ ؛ وإلّا فإنّ الضرر تصاعديٌّ وفرص الإنقاذ تنازليةٌ بلاريب . |