لمّا تنهدّ عروش الظلم وتهوي تيجان الملوك وقياصرة الاستبداد تلوذ يتاماهم بهذا الملجأ وذاك الكهف لتفرّ من عقاب الدنيا قبل الآخرة كي تضمن الأمن والأمان العابر .
مجتمعنا غير مستثنى من هذه القاعدة ، فنجد خنازير العهود البائدة متقمّصةً جلباب الهدهد كي تضرب العصفورين بحجرٍ واحد ..
إنّ الهدهد هو رمز إيصال الرسالة بشرفٍ وإيمان ، والخنزير هو رمز انعدام الغيرة والغدر والحرام ، فمن المؤلم المؤسف حقّاً أن ينخدع البعض أو لايرى بأساً بالخنازير المتهدهدة وهي تكيل آيات الإطراء والمديح عبر النطق أو الكلمة أو حتى بنتاجٍ يغوي الناظر ويسرّ الجاهل بخلفيات الأُمور .. فيكون الملاك والميزان هو إشباع نهم " الأنا " التي لايرضيها ولايشفي غليلها ولايروي ضمأها سوى قرابين الثناء والتصنيم والتزلّف الذليل أنّى كانت وممّ تكون .
من المعيب أن يكون البعض نجم غلاف كتب ومجلّات الخنازير المتهدهدة التي تشهد الفضاءات المعرفية والأروقة الثقافية بهوانها وضعفها وتماهيها مع الظالم وزيف دعواها وسوء سريرتها المشحونة غيضاً وحسداً وحقداً وبغضاً وابتزازاً ، وتهرّبها من الحوار العلمي والبحث الفكري بفعل إفلاسها الذاتي ..
نحن في شغلٍ عن هذه الحثالات التي لاخطاب لنا معها سوى " سلاما " .. إنّما عتبنا الشديد على البعض الذي أوجد الحاضنة اللازمة لهذه الخنازير المتهدهدة المرتزقة المتهافتة على فتات الموائد ولمعان المال المسيّل للّعاب .. عتبنا على هذا البعض حين ارتضى بل شيّد لهذه الخنازير مقاماً وعزّة ماكانت تحلم بها حتى في زمن أسيادها الغابرين ؛ ليس سوى لأنّ هذا البعض أصبح مشروعَ تصنيمٍ وتأليهٍ اسطوريٍّ خيالي لاتحمد عقباه ، ولاسيّما مع الغفلة وعدم الالتفات إلى أنّ المؤمن لايُلدَغ من جحرٍ مرّتين ؛ فهذه الخنازير متخصّصة بجعل هذا وذاك مشاريع تنفيخ وتفخيم .. ولنلحظ المصاديق التي عاشت التجربة مع هذه الخنازير سلفاً، فإنّها لم تنل سوى الخيبة والقهقرة والنكوص .
بل الأمر على العكس تماماً ، فإنّ هذا البعض لن ينال جرّاء هذه المشاريع سوى تلطّخ السمعة ومخدوشية الخدمة ..
إنّنا من منطلق الحرص والإخلاص نحذّر من الانزلاق في مستنقع معدومي الغيرة ونجسي الذات والضمير ومن أن يكون البعض مشاريع ضحكٍ على الذقون .
ليس علينا سوى القبول بحقيقة النقد البنّاء ، فحتى الرسول أوالنبيّ كان يتداول بشكلٍ ما الكثير من المسائل والقضايا مع الله تعالى بجدٍّ وتواصل ، وكذا العلماء مع الإمام ، وعموم الناس مع المراجع ... لذا لاينبغي للبعض أبداً- وهو دون المذكورين أعلاه - أن يصطنع لنفسه موانع شاهقة وهالةً وقدسيّةً لا حقيقة لها ، ويُوجِد حواشي تسبّح وتصنّم وتتملّق حتى الصبح .. فإنّ كلمةً واحدةً صادقةً هي أكفى وأعظمُ شهادةً واعتباراً من موسوعات ومدوّنات همّها علفها ..
إنّ التحرّر من أفيون الأنا والنرجسية المقيتة يفتح أرحب الآفاق نحو بلوغ الكمال الإنسانيّ المنشود . |