• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الرحمة أو الفريضة الغائبة في تأويل الدواعش ومن في حكمهم للدين .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

الرحمة أو الفريضة الغائبة في تأويل الدواعش ومن في حكمهم للدين

 تسعى داعش أن تجهز على مفهوم الرحمة في الفكر الديني الذي يسقط حينما تسقط منه الرحمة..تكمن الإشكالية في غياب إدارة الرحمة بديلا عن إدارة التوحش..لأنّ الرحمة يتعين حضورها حتى في الحرب التي إن فرضت فهي تدار وفق أصول أرحم.. أمّا الدين فهو حكاية بالغة التعقيد..(أريت الذي يكذّب بالدين): أي دين؟ كيف تتحدد معالمه؟ ما هو الدين هنا؟ تقول الآية نفسها وهي تشرح من يكذب بالدين:(الذي يدع اليتيم ولا يحظّ على طعام المسكين)..هذا هو دين الله: العدل، الخير، مواساة المظلومين، إطعام الفقراء، النضال من أجل الشعوب المستضعفة..أمّا تفاصيل الاعتقاد فهي مسعى أنطولوجي غايته تأكيد وحدة الوجود وتوحيده لهارمونية الكون..وحيث كرست داعش هذا النوع من التسطيح في الفهم الديني وبه جلبت وتجلب الجهّال والحمقى إلى تأويلها الفاسد الذي أنتج إرهابا جهنّميا وفهما انتهازيا وظاهريا وسطحيا للدين، كان لا بدّ من التأكيد على أنّ من الظاهر ما قتل، وبأنّ باطن المعنى آن له أن ينكشف..وبأنّ لا مخرج من هذا العبث إلاّ بثورة الباطن على الظاهر..وثورة التأويل على التسطيح..فالرحمة هي عنوان الخروج..عنوان السيرورة نحو الكمال..إنّ فكرة العقوبة والعذاب في هذا المتصوّر هي فعل تربوي ذي ابعاد أنطلوجية..إنّ التربية تعانق قسوتها أحيانا ولكنها تحتوي على جوهر الرحمة الذي لأجله كان الخلق..لم يخلق الرب عياله ليعذّبهم..لأنّ هذا مستثقل حتى في تصور الرحمة البشرية على قصورها والتباسها..
7 مليار كائن بشري على وجه الأرض، أو قل 10 إن استحضرنا من لا يحصى من الأمم ومن لا يتوفرون على بطاقة وطنية..وزد على ذلك أجيالا من الموتى..إذا اعتبرنا أن ما تقوله داعش صحيحا، فمعناه أن ثلثي المسلمين في النار بينما كل هذه البشرية في جهنم..وما البديل إذن؟ البديل حفنة من الزعران من أفريقيا والشيشان والخليج سيقتطعون جنة الخلد عرضها السماوات والأرض..أمّا الحياة فهي: فواكه وخمر الجنة وحور عين حسب الأذواق وإباحية مطلقة..تلك هي قصة الخلق كما يتصورها شذاذ الآفاق..وهكذا أعادوا إنتاج فكرة عن الرّب: ربّ قاتل يمضي على الجرائم ويحقق رغبات غريزية لمجموعة من المراهقين الحمقى نزولا عند أحقر أنواع الخيال..يجب أن تموت كل البشرية ليحيى بيّاعي الماحيا المتحولون إلى أهل دين..أين الرحمة والعدل الإلهيين في صميم هذا التّصور الأبله لله والناس والمعاد؟
لقد قرن صاحب الدعوة وهو يصف لأصحابه بين رحمة الخالق بمخلوقه ورحمة أم الفصيل مع مولودها..ثم قال بأنّ رحمة الرب بخلقه أكبر من رحمة الأم بفصيلها..والخلق في تعريف التعاليم هم عيال الله..وافترض أنّ رحمة الأمّ حتى لا يقول الأب، هي منتهى الرحمة لا يضاهيها إلا رحمة الخالق..وفي الموروث قال: لو كنت خلقته لرحمته..والأمّ لا تقبل بتعذيب ولدها وإن أجرم..وهاهنا وجب قراءة الرحمة في أصل العدل..يبقى السؤال: ما قصة عيال الله..وهل العذاب حتى برسم العاقبة هو تطهير وتأذيب وتربية على الإندماج في جوهر الإنسانية أم هو ثأر ونشوة الاستمتاع بالحرائق؟ جملة التعاليم تؤكد ان أهل جهنم لهم فيها طعام وشراب ومعاملات وتساؤلات وحسرات، وهل من وضع في مصهر النار له فرصة ان يتأمل ويتذكر ويناقش أم أننا أمام مشهد يجمع أصحاب الطبائع الغليظة التي راكموها بفعل الظلم والعدوان، وكان لا بد من مرحلة التأهيل فيها حسرة على الانحراف عن طبائع الأنسنة ولكنها بعذوبة التربية يعاد إدماج عيال الله في مشهد آخر..إن فهم مشهد الجنة والنار تربويا له صلة بمفهوم الوجود والتطور المعنوي وفكرة التربية والإدماج الأنطولوجي حيث أصحاب الطبائع الغليظة يحصل لهم انقلاب في الماهيات في عالم المثال، وهذا الانقلاب يتأكد في عالم المثال حيث تجسّم الأعمال، وانقشاع حالة الوعي الحاد بالماضي والمصير، وهو ما يقتضي إعدادا واسترجاعا للماهيات بالصهر الشديد: كما بدأنا الخلق نعيده..وعملية إبدال مستمرة تستقر فيها الماهيات بقوة الحركة الجوهرية للنفس التي تتحقق في كمالها الخير إما بالسفر وفق مسارات قوس الصعود ومراتبه الطبيعية أم بالقهر: هناك قوم يجرون إلى الجنة بالسلاسل..فمن هؤلاء من لا يحول عوارض تدينه من ان يمرمن مصهر جهنّم لغلظة طبعه وانحراف جوهره، كما هناك من لا يحول عوارض كفره أن لا يحتاج لمصهر جهنّم، وذلك لأنّ غلاظ الطباع ومنحرفي الجوهر قد تتساقط عوارض تدينه في لحظة كفر واحدة كما قد تتساقط عوارض كفر ذوي الجواهر اللينة عند لحظة انجذاب واحدة..إن لله في خلقه شجون..والمدح نحو الكمال والنجاة غير محصور وباطنه أوعر من ظاهره..إنذ الظاهر يورث الاستكبار ويمحق المعنى الفلسفي للدين ويمنح الحمقى سلطة لاهوتية لتفسيره..إنّ جينيالوجيا الخلق وملحمة المعاد تلخّص أنطولوجيا كائن في جدل وعي صاعد ونازل..
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=86196
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 11 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15