لقد صدق رسول الله (ص) الذي قال {عَدلُ ساعةٍ خَيْرٌ من عبادةِ سبعينَ سنةٍ قيامُ ليلها وصيامُ نهارها، وجورُ ساعةٍ في حُكمٍ أشدُّ عِنْدَ الله من معاصي ستّين سنةٍ} وصدق امير المؤمنين (ع) الذي قال {ما عُمِرَتِ البلادُ بِمِثْلِ العَدْلِ}.
ولذلك فضحت عقيلة الهاشميّين عليها السلام انحراف الطّاغية يزيد وابتعادهِ عن العدل في المجتمع وهذا يكفي لكلِّ ذي عينٍ بصيرةٍ ان يرفض سلطانهُ ولا يبرر له او يدافع عنه ويخرج عليه ويعمل على تغييرهِ، وهو الامر ذاتهُ الذي يجب ان يكونَ اليوم، فالسّلطة غير العادلة لا تستحقّ ان تستمرّ، كما ان المجتمع غير العادل لا يستحقّ ان يعيش.
هل كانت عقيلة الهاشميّين (ع) تتوقع من الطّاغية يزيد ان يُعاملها بالعدلِ عندما خاطبتهُ في مجلسهِ قائلةً {أَمِن العدلِ يا ابن الطُّلقاء، تخديرك حرائرك وامائك، وسوقك بناتِ رسول الله سبايا، قد هُتكت ستورهنَّ، وأُبْديت وجوههنَّ، تحدو بهنَّ الأعداء من بلدٍ الى بلدٍ، ويستشرفهنَّ أهل المناهلِ والمعاقلِ، ويتصفّح وجوههنَّ القريب والبعيد، والدني والشّريف، ليس معهنَّ من حُماتهنَّ حميٌّ ولا من رجالهنَّ وَلِيّ}؟.
هل كانت تستجدي مِنْهُ العدل؟!.
هل كانت تنتظر منه ان يعدِلَ في طريقة تعاملهِ مع الرّعيّة بين حرائر النبوّة والرّسالة والإمامة وبين نساء القصر الأموي؟!.
كلا، بالتأكيد كلا، فهي لم تنتظر من حاكمٍ ظالمٍ أَرعن مهووس بحبّ السّلطة، قاتل النّفس المحترمة لاعب بالقرودِ، نزا على منبر رسول الله (ص) بالعنف والارهاب والعدوان، وبالبدعةِ والتّضليل ان يكونَ عادلاً مع أحدٍ ابداً.
فلماذا، إذن، خاطبتهُ بمفهوم (العدل) وكأنها كانت تنتظر منه ان يعدِل في تعاملهِ معها ومع بقيّة أَسرى أهل البيت عليهم السلام بعد واقعة عاشوراء؟!.
زينب بنت علي (ع) كانت مؤمنةً وواثقةً وشجاعةً ولذلك عندما أطلقت تحدّيها في مجلس الطّاغية يزيد وأقسمت بانّهُ سيفشل في كلِّ مساعيه التي يبذلها لمحو أَثر الرّسالة والرّسول وأهل بيتهِ الغرّ الميامين، كانت على يقينٍ بما تقول وتُقسِم، ولذلك تحقّقَ التّحدّي بأبهى وأروع مصاديقهُ بما بهرَ العقول، فلقد فشِل كلّ طغاة الارض وعلى مرِّ التاريخ في كل حروبهم العبثيّة التي قادوها ضد الحسين الشهيد (ع) وعاشوراء وكربلاء، وما مسيراتُ الاربعين في العالم من كلّ عامٍ الا دليلٌ صارخٌ على هذه الحقيقة، عندما تحدَّت العقيلة الطّاغية بقولها {فَكِدْ كَيْدَك وَأسْعَ سَعْيَك وَناصِبْ جَهْدَك فَوَالله لا تَمْحو ذِكْرَنا ولا تُميتُ وَحْيَنا}.
انّ الخطاب الزّينبي يعلّمنا انّ شرعيّة السّلطة بالعدل وليس بالهويّة، ولذلك ينبغي علينا ان لا ننشغل كثيراً بالدّفاع عن هوية السّلطة وانّما عن عدلِها اذا كانت عادلة، والا فينبغي اسقاطها واستبدالها اذا كانت ظالمة.
انّهُ يعلّمنا ان لا فرق بين يزيد الذي ميّز نساء القصر عن نساء الامّة، وبين ايِّ حاكمٍ آخر يفعل الشيء نَفْسَهُ، شيعياً كان ام سنياً، عربياً كان ام كردياً، اسلامياً كان ام ليبرالياً، فالتمييز الذي يعتمدهُ الحاكم كسياسةٍ عامَّةٍ في الدّولة ظلمٌ وجورٌ، بغضّ النظر عن الهوية، وهو يلثم شرعيتهُ ويطعن فيها.
المغفّلون وحدهم الذين يُدافعون عن هويّة السّلطة، امّا الواعون فيُدافعون عن عدلِها فقط بغضّ النّظر عن الهويّة!. |