• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الحرب الطائفية البلهاء .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

الحرب الطائفية البلهاء

الذي جعل المذاهب أوّل مرّة تأخذ طابعا استئصاليا هو كونها كانت أيضا مذاهب سياسية، فكان لا بدّ من التحريض والتشويه والتعبئة، وكان زمان نشأتها ما قبل ظهور أصول العمل السياسي الحضاري، وما قبل ظهور ثقافة الاختلاف وأخلاقياته. فخلف كل مقولة كلامية كانت السياسة ترخي بظلالها..وهكذا لم تترك السياسة مجالا للاعتدال..في موضوع الجبر والاختيار وخلق القرآن هناك من جنح إلى المأمون وهناك من جنح إلى ابن حنبل..وكان هناك من أدرك اللعبة السياسية خلف كل هذا فاختار الاعتدال والمعرفة والحق حين قال: لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين..كان ذلك هو موقف الإمام الصادق الذي استطاع أن ينظّف الكلام من سياسوية العصرين: الأموي والعبّاسي، ليؤسس لمدرسة تقوم على استقلال المعرفة وسلطتها..لعل هذا ما حدا بالمستشرقة أرمسرنغ لاعتباره المؤسس الأول للعلمانية في تاريخ الإسلام..أي تقصد أنّه ميّز بين السياسة والدين ونحى منحى علميا خالصا..تلك حكاية أخرى، ولكن السؤال الملح: لماذا باتت المذاهب مصدرا لتأزّم الأوضاع في مجالنا العربي وعالمنا الإسلامي؟ الجواب هو أنّ المذهب لا زال بمثابة حزب سياسي للقيمين على الحروب الطائفية..لازالوا أوفياء لحقبة لم تعد لها جدوى إلاّ بعد مشروع تخريب الوعي وهسترت الفهم الديني بالصورة التي يتحقق معها مشروع احتلال العقل والزمكان العربيين..الذين يعملون على تأجيج الطائفية هم ليسوا دينيين ولا حتى علمانيين بل حالة ثالثة غير مصنّفة. كانت المذاهب في نظر العلماء مدارس فكرية تاريخية اقتضتها تراكمات النقاش العمومي بين أهل الكلام. ولكن سرعان ما اقتحمتها الغريزة السياسية وباتت مطية للغلبة والحرب. وهكذا حصلت إبادات عبثية على مقولة هنا وأخرى هناك..بعض العرب وجدوا في الطائفية ما يمنحهم شرعية إخفاء الموقف الحقيقي من إيران، بعضهم اعتقد بأنّ ذلك من شأنه استنفار سنة العرب ضد إيران، بينما تجاهل القوم أنّ التسنن هو في الأصل مذهب إيراني..سوف يجدون إيران في كل مكان حتى في مجال تدوين اللغة العربية، فلقد كان الإيراني سيبويه أبو النحو العربي كما الفيروز أبادي صاحب المعجم والزمخشري..وأهم ما كتب في السياسة وأخلاق الملك والأخلاق العامة هو إيراني: أخلاق ابن ماسكويه والرازي وابن المقفع..التسنن كسائر المذاهب هو قول مخصوص في الاعتقاد والفقه والسلوك، وقد تبين أنّ الأشعرية التي تشكل مذهب أهل السنة الحقيقي تشكلت كمذهب داخل المدرسة النظامية على يد أبي حامد الغزّالي الإيراني..كما أنّ بعض أئمة المذاهب السنة ومنهم مالك هو من الموالي، أي انه إيراني..وكذلك التصوف السني بما في ذلك الجنيد كان إيرانيا..وزد على ذلك كبرى تفاسير أهل السنة وفي مقدمتها تفسير الطبري كأول مدونة في التفسير، أما في الحديث فقد كان أصحاب الصحاح السنية من البخاري الفارسي إلى مسلم النيشبوري الإيراني إلى الترمذي الإيراني إلخ..مذهب السنة تأسس وتأصّل في إيران..بينما مذهب الشيعة والقرامطة والحشاشسن وغيرهم هي مذاهب عربية خالصة..لقد تغلغل العرب داخل الدولة الصفوية وليس العكس..وهكذا ساد التأليف بالعربية في إيران وامتطى العرب صهوة الدولة الصفوية..الصفويون الذين هم أتراك من أصول سنية وليسوا إيرانيين..الحروب الطائفية المغالطة والتي يزيدها العناد والاستهتار والخفة بلادة وتفاهة ليس الغرض منها تقوية المذهب أو الدين أو المعرفة أو الإصلاح، لكنها محاولة لاستنفار المذاهب والطوائف لكي تكون في خدمة المشاريع الهدّامة لمن ليس لهم علاقة مع الدين ولا الثقافة ولا المذاهب..مذهبهم هو البيرّا والجّاز والاستثمار في الشركات متعدية الجنسيات والمافيا والعمالة..حراس الحرب الطائفية يستخفون بدماء المسلمين ويعملون على اقتتال الناس، لأنّ المجازف بالحروب الطائفية هو عدو لكل المذاهب ولكل الأديان ولكل الإنسانية..نتساءل من هو الطائفي؟ سيقولون هو هذا الطرف أو ذاك؟ قلت: الطائفي هو كلّ من استسهل الحرب بين المذاهب وراهن عليها حتى لو كان خارج كل المذاهب..الطائفي هو من يريد أن يحلّ أزمة 14 قرن بعناد الحمقى مع أنّه مكلف أن يبيّن فقط موقفه ويعرف بنفسه..كل المدارس الإسلامية أخطأت لأننها تجر أوزار مرحلة تاريخية من التخلف حيث كان العنف المادي والرمزي تجاه المخالف لا مهرب منه..هل يكفي أن تقول بالجبر أو الاختيار لكي أخرب العالم من تحت رجليك، بينما لا أحد اليوم لا من أهل الجبر ولا من أهل الاختيار هو حرّ مختار تحت وطأة الاستعمار..والقرآن سواء أكان كلاما قديما كما قال الحنابلة أو محدثا كما قالت العدلية هو غير مقروء أو مفهوم لهما معا..والسقيفة المتنازع حولها لها اليوم نظائر حيث ثمة سقائف في كل المذاهب..السياسة هنا هي أمّ المصائب..وفيها يجب أن تبدأ الرحلة نحو احتواء التنوع..إنّ السياسة تستطيع أن تغير المعادلة، فبقدر ما تستطيع جرّنا إلى الماضي تستطيع أن تنقلنا إلى المستقبل..أصبحت الحرب الطائفية مطلبا للاستعمار، نجح إلى حدذ كبير لكن ومع ذلك لا ننكر انذ ثمة جبهة صمود ضدّ هذا المخطط، هوو الذي جعل العالم الإسلامي حتى اليوم يقاوم هذه الكارثة وفي الحد الأدنى من التعايش الصعب الذي يعكس مدى فشل سياسات الطائفية التي تستقوي وتستمكن بالحماقة والمال والتّفاهة...



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=82888
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 08 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15