نحن دينٌ ومذهبٌ وثقافةٌ نابضةٌ بالإيمان والحبّ والشوق والرغبة والصبر والحركة الدوّامة التي تستمدّ عناصر تفاعلها الحالي من أجنحة الماضي والمستقبل .. إنّنا حين نزحف عبر التاريخ رغم الحصار والظلم ومحاولات الحذف والنفي والترويع إنّما نزحف قاصدين النقطة والهدف اللذين ينبغي لنا بلوغهما .. هذا ماعلّمتنا وأخبرتنا به الرسالة وغذّاناه أبو تراب وسادات البيت الكرام مع قلّة الناصر والمعين وتكالب الأعداء من كلّ حدبٍ وصوب في كلّ آنٍ وحين ..
دعهم في غيّهم وتضليلاتهم الخائبة المملّة ، فلقد أشبعوا التاريخ بها ولم تحصد لهم نفعاً أبدا ، بل زادتنا إيماناً ورسوخاً وتوسّعاً وانتشارا ، فنحن أصحاب قضيّةٍ حقّة ، نحن نعي التكليف والوظيفة الملقاة على عاتقنا ، نحن نهدف إلى الأخذ بالإنسان إلى مرابع الخير والهداية الإلهية ..
فليس المهمّ أن يقولوا مثلاً : لم يلد الإمام الثاني عشر بعد .. لم يكن للحسين (ع) رضيعٌ يوم عاشوراء اسمه عبدالله .. لم تكن له (ع) بنت اسمها رقية ... وهكذا الكثير من الاختلاف في اختلاق الأحداث والمناسبات والأشخاص من عدمه ،
التي يضيق المقام عن التفصيل فيها .
كما ليس المهم ضرورةً معرفة متى وُلِدت فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر (ع) ، المعروفة بفاطمة المعصومة .. إنّما المهمّ ضرورةً أنّها قد وُلِدت يقيناً في مدينة الرسول (ص) .. وأنّها حاولت - وهي في العقد الثالث من العمر ومن منطلق الإخلاص والوفاء - اللحاق بأخيها الإمام عليّ بن موسى الرضا (ع) لكنّها مرضت فلم تستطع مواصلة المسير فتوفّيت ودُفنت في مدينة قم جنوب العاصمة الإيرانية طهران ..
نعم ، إنّها كانت موجودةً يقيناً بتواتر الروايات ، ويُنقَل في سيرتها العطرة وعلمها ومكانتها العديد من النصوص والأحاديث ..
إنّنا حينما نحتفي بها ولادةً وسيرةً ووفاةً إنّما نحتفي بشخصيّتها الألقة التي أينعت أروع الثمر والبركات .. وهاهي مدينة قم حاضرة المعارف والعلوم والثقافة تعجّ على مدى التاريخ بالأحداث والوقائع والحركة النابضة بالحيوية والفاعلية التي جعلتها في صدارة المراكز المعرفية عالميّاً .. فصارت قبلةَ علمٍ تهوي لها العقول والقلوب شغفاً لتلقّي المعارف وتيمّناً بزيارة المرقد الطاهر لسليلة الأنبياء والأولياء المعصومين .
وبفضل هذه البنت العفيفة العالمة لاتزال مدينة قم رائدةً في الإشعاع الثقافي ونميراً عذباً يروّي الضمأى زلالَ القيم والمبادىء الحقّة المستلهمة من مدرسة أهل العصمة والطهارة ..
ستبقى مدينة قم ببركات الفاطمة المعصومة منار هدىً ومعقلاً يلبّي حاجات طالبي حقائق الأُمور وأُصول الدين الحنيف .
نعم ، ليس المهمّ معرفة متى وُلِدت فاطمة المعصومة (ع) .. إنّما المهمّ معرفة كيف عاشت ولماذا تركت كريمة أهل البيت (ع) كلّ هذا الذكر العطر والبركات العظام التي قلّما تحقّقناها في من سواها ..
هاهنا يحلو التحقيق العلمي الهادف الذي يلتذّ به أصحاب الألباب والجنان المنصفة .. يحلو البحث والتنقيب والمقارنة والمراجعة والاستقراء والتحليل والاستنتاج المعرفي المنهجي السليم .. وإلّا فهل وُلِدت هذه المرأة العظيمة في هذا اليوم أو تلك السنة فإنّه تساؤلٌ لايقلّل من منزلة ومكانة وآثار وبركات عيلمٍ نسويٍّ نبيل قد حفر وجوده الشامخ على صفحات التاريخ بأحرفٍ من نور .
فسلامٌ عليها يوم وُلِدت ويوم ارتحلت ويوم تبعث حيّة . |