الساحة حبلى بالقضايا الساخنة والأحداث المتسارعة ، منها : القرارات الجائرة الخطيرة التي تستهدف ضرب القيم والمبادىء الحقّة عبر التضييق على الرموز الدينية البارزة المؤثّرة ومحاولة عزلها وإبعادها عن مسرح الحياة، رغم إيمانها بالحلّ السلمي وتميّزها بالأداء العقلاني .و من الحيف حقّاً أن تمرّ المواقف التاريخية عموماً والمعهودة خصوصاً ، من مراجعنا العظام، دون تنميقة يراع أو إشارة تذاع..
فنقول : نحن أُمّة تعتقد وتؤمن بالله الواحد الصمد الذي لم يلد ولم يولَد ولم يكن له كفواً أحد ، فلانشرك به أبدا ، كما نؤمن أنّ الرسل والأنبياء معصومون عن الخطأ والزلل ، وأنّ أئمّة آل البيت (ع) إثنا عشر معصوماً ، وأنّ سيِدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع)طاهرة مطهّرة من كلّ شوبٍ ودنس .
نعتقد : أنّ إمامنا الثاني عشر (ع) غيّبه الله تبارك وتعالى لأجلً مسمّى ، فلا يظهر إلّا في الموعد السماويّ المقرّر ليملأ الأرض قسطاً وعدلا بعدما مُلئت ظلماً وجورا .
في ظلّ غيابه (ع) ناب عنه أربعة من النوّاب الخاصّين ، وبرحيلهم عن الدنيا انتقلت النيابة من الخاصّة إلى العاّمة ، فيكون الفقيه الجامع للشرائط الواردة في مقبولة ابن حنظلة الشهيرة هو النائب العامّ عن الإمام الغائب (ع) ..
ولسنا في مقام بيان المباني المختلفة بشأن ولاية الفقيه ، بل نحن في مقام بيان : أنّنا مثلما لانؤلّه المعصوم (ع) كذلك لانجعل الفقيه الجامع للشرائط بمقام المعصوم (ع)
، فهو نائبٌ عامٌّ وله اختياراته ومسؤوليّاته التي عُيّنت له .
هذا النائب العامّ ، بعنوانٍ آخر : المرجع الديني ، يتحمّل الوظيفة الدينية في كلّ القضايا التي يحتاجه المقلِّد بها ،إذن فهو الفقيه الذي يشخّص التكليف لمقلّديه : حرمةً أو حلالاً ، كراهةً أو استحباباً أو إباحة ، ناهيك عن الأُصول العملية من البراءة والتخيير والاحتياط والاستصحاب ، وكذا الأحكام الثانوية من الضرورات وغيرها .
أين الإشكالية إذن ؟
الإشكالية في أنّنا نروم في كثيرٍ من المواقف والأحداث والقضايا تعيين التكليف للفقيه الجامع للشرائط ، للمرجع الديني ، للمرجع الأعلى ، وكأنّه بعيدٌ كلّ البعد عن الساحة وأوضاعها وأنّه يعيش في وادٍ والأُمّة في وادٍ آخر ، ولاسيّما لمثل السيّد السيستاني الذي عُرِف ممّ عُرِف به واشتُهر: اطّلاعه الدقيق على المسائل والأُمور وعلى جميع الصُعُد اطّلاعَ العارف الحكيم الخبير على نحو التفصيل المثير .
السيستاني حاله حال مراجعنا العظام قدّس الله أرواح الماضين منهم وحفظ الباقين ، ليس بمعصوم والخطأ فيه محتمل وكذا الغفلة والنسيان ، ولكن كلٌّ بحسبه ، فهو يتلقّاها ويهضمها ويصوغها صوغَ الحبر النحرير بعدما يغوص في أعماق المبنى غوص البحّار الخبير ، حتى بات صمته وكلامه ، حركته وسكونه ، ترشح حكمةً بالغةً ومعرفةً سابغة ، ولاغرو فهو المصداق الأسنى للعقل الميداني الفاعل ، الذي فاق الموسوعات والمدوّنات التي قادت ببعض ذويها إلى ماقادت من الأُفول والغرور .
حينما يقول السيستاني : أنتم في القلب ، أنت يافلان في القلب ، أنتم أنفسنا ... فوالله الواحد الأحد ! إنّه لايخرجها إلّا من أعماق الحسّ والعقل والشعور ، بلاأدنى شائبةٍ تُذكَر .. وهذا مايشهد به القريب والبعيد ، العدوّ والصديق ..
ماعلينا سوى التأنّي وعضّ النواجد قليلاً، فلا نستعجل المواقف ونحكم بالوساوس ، فهذا الرجل يعلم ماينبغي فعله من عدمه ،
إنّه صمّام الأمان وقطب الاطمئنان ، الذي طالما يذكّرنا بمبادىء الدين العظام التي تدعو إلى الأُلفة والوئام والسلام ونبذ الفرقة والعنف وشرور اللئام .