للاسف الشديد باتت اخبار الذبح والحرق والصلب والتمثيل بالجثث والتفجيرات العشوائية التي تستهدف الابرياء في مختلف انحاء العالم، اخبار شبه عادية لدى الكثيريين، ويتضاعف هذا الاسف عندما تُنفذ هذه الجرائم باسم الاسلام، ويصبح بالتالي الاسلام مرادفا للارهاب، والطامة الكبرى تكمن في استغلال الاعلام الغربي والصهيوني هذه الجرائم، لتشويه تاريخ الاسلام ، وتبيض تاريخهم الاسود.
يبدو ان مصادر هذه الاخبار لم تعد مقصورة بالعراق وسوريا واليمن وباكستان وافغانستان وليبيا والصومال، بل امتدت الى دول كانت الى الامس القريب تعرف بانتشار الاسلام المتسامح وذات الميول الصوفية في ربوعها، مثل بنغلاديش واندونيسيا وسنغافوره وغيرها، الامر الذي يؤكد ان الاسلام يتعرض الى هجمة شرسة كدين، وان المسلمين مستهدفون وبقوة كوجود، وان البلدان الاسلامية مهددة ككيانات.
الاسلام الذي انتشر في العديد من دول العالم وخاصة في اسيا بفضل علماء الدين والتجار وشيوخ الصوفية من الايرانيين والعرب، يتعرض اليوم لحملة تشويه ممهنجة، تقف وراءها جهات وحتى دول، وتنفذها جماعات تحمل لواء الاسلام زورا من امثال “داعش”، فمنذ اشهر قليلة، وتتوالى الاخبار من بنغلاديش عن عمليات قتل مروعة يتعرض لها المسلمون والمسيحيون والهندوس على السواء، تنفذها “داعش” والجماعات التكفيرية الاخرى، والتي تجد اصداء واسعة في الاعلام الغربي والصهيوني، وبشكل ملفت، وكأن هناك تنسيق مسبق بين التكفيريين والاعلامين الغربي والصهيوني.
قبل ايام وتحديدا يوم السبت 11 حزيران يونيو، تناقلت وكالات الانباء العالمية خبر اعلان “داعش” مسؤوليتها عن مقتل أحد العاملين بدير هندوسي طعنا في بنغلاديش، وكانت هذه ثالث جريمة قتل لأحد أفراد الأقليات الدينية في هذا البلد على يد “داعش” والجماعات التكفيرية.
وفي بنغلاديش ايضا وخلال الأيام القليلة الماضية قُتل كاهن هندوسي مسن وصاحب متجر مسيحي بتمزيقهما اربا وأعلن “داعش” مسؤوليته عن قتل كلاهما كما قُتلت أيضا زوجة مسؤول بالشرطة عن مكافحة الإرهاب وهي مسلمة.
هذه الجرائم هي بعض جرائم “داعش” و “القاعدة” في هذا البلد الاسلامي الذي تسللت اليه قبل “داعش”، الوهابية، فكانت حاضنة مثالية ل”الدواعش” الذين قتلوا أكثر من 30 شخصا في بنغلاديش ، من بينهم أفراد أقليات دينية ومدونون ليبراليون وأكاديميون منذ فبراير شباط من العام الماضي.
الملفت ان الشعب البنغالي دخل الاسلام منذ القرن الثالث العشر الميلادي وذلك عن طريق الوافدين من التجار وعلماء الدين الايرانيين والعرب ومشايخ الصوفية، اي قبل الفتوحات الاسلامية، واصبح الاسلام هو دين غالبية السكان في بنغلاديش، حيث يبلغ عددهم اليوم نحو 145 مليون، معظمهم متأثرين بالصوفية، ولكن للاسف ظهرت حركات مناهضة للتوجهات الدينية لغالبية الشعب البنغالي وهي حركات نشطة تغاضت عنها السلطات سابقا مثل الوهابية، وهي حركات خرجت منها القاعدة “وداعش” فيما بعد.
من الواضح ان “داعش” تنتقم من سماحة الاسلام ، التي كانت السبب الرئيسي في دخول الناس في هذا الدين العظيم افواجا، فالمسلمون وكما تؤكد كتب التاريخ تركوا الناس احرار في اعتناق الدين الاسلامي، فهذه الكتب تؤكد ايضا أن نسبة المسلمين في الدولة الإسلامية بعد الفتح الإسلامي بمائة سنة لم تتعد 20% من السكان. وحتى في الدولة العثمانية كانت نسبة السكان غير المسلمين 49.8% من جملة السكان، وهذا خير دليل على ان المسلمين لم يفرضوا الاسلام على الناس بالقوة، بل تركوهم احرارا، بينما نرى “داعش” تفتك بالناس فتك الوحوش، بذريعة نشر الاسلام والدفاع عن الاسلام، في ممارسات تتناقض من الاف الى الياء مع الاسلام، وتصب من الالف الى الياء في صالح اعداء الاسلام والمسلمين.
ومن اجل ان تغطي “داعش” على جرائمها ضد الانسانية والمسلمين، وتشوه صورة الرسول العظيم، تروج دائما لمقولة ان الاسلام انتشر بالسيف، بينما التاريخ الاسلامي يقول لنا وبشكل قاطع ان كل شهداء الاسلام في كل حروب الرسول (ص)، وهي عشرون غزوة على امتداد تسع سنوات، بلغ 183 شهيدا في مقابل 386ـ 203 من المشركين، بينما تحاول الابواق الغربية المتصهينة تشويه هذا التاريخ واظهارة بالصورة التي تريد “داعش” رسمها.
وحول سماحة الاسلام والمسلمين التي تستهدفها “داعش”، هناك شهادة مهمة بهذا الشان ادلى بها المستشرق البريطاني الشهير توماس ارنولد (1864 – 1920) في كتابه (الدعوة إلى الإسلام) عندما قال: “إن الفكرة التي شاعت بأن السيف كان العامل في تحويل الناس إلى الإسلام بعيدة عن التصديق.. إن نظرية العقيدة الإسلامية تلتزم التسامح وحرية الحياة الدينية لجميع أتباع الديانات الأخرى.. ولقد قيل إن “جستنيان” (483 ـ 565م) ـالإمبراطور الروماني- أمر بقتل مائتي ألف من القبط في مدينة الإسكندرية، وإن اضطهادات خلفائه قد حملت كثيرين إلى الالتجاء إلى الصحراء”.
ترى بعد كل هذا ماذا يمكن ان يُغرس في اذهان الناس من افكار عن الاسلام عندما يستمعون الى خبر يقول: ان نحو 15 مسلحا، من جماعة بوكو حرام التي بايعت “داعش”، يستقلون دراجات نارية دخلوا مساء الجمعة قرية مايراري، الواقعة شمال شرق نيجيريا، في وقت كان اهل القرية يفطرون بعد يوم صيام، وأخرجوا اربع نساء من منازلهن وذبحوهن، وتتراوح أعمارهن بين الـ27 والـ45 عاما؟
ليس صدفة ان تنفذ “داعش”، بذراعها النيجيري “بوكو حرام”، جريمة ذبح اربع نساء مسلمات وهن صائمات، في يوم الجمعة 1- حزيران يونيو، ففي مثل هذا اليوم بالضبط كانت “داعش” تذبح الراهب الهندوسي في بنغلاديش، فارتكاب هذه الجرائم من قبل “داعش” والترويج لها من قبل الاعلام الغربي المتصهين، هدفه الانتقام من سماحة الاسلام والمسلمين، وتسويق فظائع “داعش” على انها تطبيقات عملية للاسلام. |