• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هذه فلسفتي 1 .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

هذه فلسفتي 1

لا تطلب فلسفتي في حالة الصفر من مزاجي المأخوذ بتلابيبه من قلق مفتوح على كل الاحتمالات..وما أقلّها تلك الحالة الصفرية التي تعكس خواءا توتّريا مناهض للحياة..ابحث عن مقولتي خارح الاقتصاد السياسي للمعرفة..في حالة الجذب والتمرّد والغضب..هي أفضل الحالات التي يرقى فيها العقل ويتحقق فيها تأثيل النّظر خارج كلّ ألوان الضغط والقهر..إنّنا لا نفكّر ككائنات معلّقة في خاووس الأسئلة اللاّنهائية، بل نحن نفكّر في فضاء غير مفتوح، مشحون بالقيود محاط بالرّداءة التي هي الشكل الناعم للعنف وتوحّش الزّيف..لا أمنح للأيديولوجيا الهوجاء أي قيمة ذاتية بل هي مؤشّر على انحطاط الوعي ومضاعفات الزيف في سياق اجتماعي ونفسي مريض..في مثل هذه البيئة الحاضنة للضحالة لا يمكن التفكير صفريّا..هنا الفلسفة تنبت في جلال الحرب وحمأة الصّراع ولحظة التمرّد القصوى..الفلسفة ليست عقدا اجتماعيا ولا سياسة توافقية ولا صفقة سوسيو سياسية وثقافية..ليست حتى مخاتلة تاريخية..الفلسفة هي انعتاق..والانعتاق هو دحر لغلبة القهر والزّيف وسلطة النذالة..وهي لهذا السّبب سير هادم للبنى المعيقة..لمخاتلات التاريخ..هي دائما كانت ميتا..ميتافيزيك..هي انعتاق خارج مقولات ما قبل الطبيعة أو الطبيعة..هي سفر خارج قيود الفيزيك وما قبل الفيزيك..حيث من هناك فقط، من الطبيعة حينما يهيمن عليها الجمود أو ما قبلها حينما تهيمن عليها المغالطة والتحجّر تنطلق المؤامرة ضدّ العقل..العقل الذي يصنع مقولاته إلى حين يأتي زمن الانقضاض عليها..العقل الذي ليس له وفاء لمقولاته حين تفقد خصوبتها وتتحوّل إلى عائق تاريخي للتّحرّر..كيف تكون حرّا من دون تمرّد وغضب..هناك يتعيّن اختبار مقولاتك طور التّولّد..لا تعمّر الفلسفة أطول مما يعمّر الكائن..فلكلّ لحظة تاريخية انطلاقاتها وغواياتها وغرابتها..وليس ثمة من ثابت في هذه الرغبة المستدامة غير الميل الجوهري للتغيير..الفلسفة والثبات القاتل لا يلتقيان إلاّ في ضحالة الوعي بالذّات والمصير..لذا سيكون الفيلسوف حالة خطيرة في كيان أدمن على الثّبات الخادع..وقد تكون أسئلته حينما تصبح حقيقية مشروع مانيفيستو للتمرد الدّائم..لا يحتاج الفيلسوف إلى عزل وسجون فهو يدرك مهمّته بقدر ما يدرك المسافة الأنطولوجية التي تفصله عن القطيع الجماهيري وحرّاسه من المافيا وخبراء مختبرات توجيه الرّأي العام..نتحدّث عن الفاكسان التي يستعملها هؤلاء الخبراء أو لنقل رعاة القطيع لتحصينه من أسئلة الفيلسوف وتشويشه على الرتابة..على جثّت الفيلسوف تنهض كبرى مذاهب النّذالة التي يصنعها العبيد..الذين يتكيّفون مع كاطيقورياس ما قبل ـ الفيزيك ويغالطون به ضدّ الوجود..تحوّلوا إلى تاريخانيين هروبا من تحدّي الأنطولوجي..تساخفوا حتى باتوا ناطقين باسم واقعية العبيد..واقعية تشبه مطرقة الحداد..وضجيج الأسواق..وقهقهات العاهرات..ينسون أنّ الوافعية هي الأخرى استحقاق ميتافيزيكي..غير مرئية إلاّ في نتائجها المثمرة..وهي لا تعاكس الفلسفة بل تساعدها على التقاط حركة الارض..حينما تتعالى أصوات منشؤها وعي القطيع الذي يخرج من حالة التخدير إلى حالة تنفيذ جريمة الإدمان في حقّ الوعي، يصبح مصير الفلسفة معلّقا على لحظة تاريخية أكثر فاعلية لانقاذ ما يمكن إنقاذه من التّعسّف..هذه العقول التي لم نعد نملك من سلطات تنفيذها إلاّ القليل تتحوّل إلى أداة تعمل ضدّ نفسها..تصبح انتحارا..عقولنا تنتحر على مذبح الضّحالة التي هيمنت على العالم والإنسان..وهي ضحالة لا تتطلّب وقفة عقل في غياب معنى غير ملتبس للعقل..بل تحتاج إلى لحظة تمرد الرّغبة في الانعتاق..الانطلاق من حيث يوجد هناك مركز للعالم كما يفهمه الفيلسوف..وهو ليس مركزا هنا وهناك في غياب مركزية حقيقية غير متحوّلة..عليه أن يلقي بعصاه حيث هو ويبدأ رحلة اللاّمعقول داخل المعقول الممأسس..ففي لحظة استبداد المعقول لا بدّ أن يتمرّد اللاّمعقول..لسنا في حاجة إلى تنوير لأنّ رسالته تأدلجت وأصبحت مغالطة يحملها أهل الظّلام، بل نحن في حاجة إلى شيء من العتمة لننفذ إلى أعماق الحقيقة..المعرفة اليوم توجد في العتمة لا في النور..توجد في سرّية المعنى الغاط في باطن المعرفة المحاط بالظلام لا في الأنوار الخادعة التي تحمل الزيف والغباء للعالم..سؤالي اليوم: ما العتمة، ما الظلمة، ما الباطن؟ هناك حيث وجب أن نشعل شمعة في دهاليس الباطن خارج فضيحة نهار الجهل الذي هيمن على العالم..

ترى، كم يحتاج الإنسان إلى هذا التكرار الذي هو قدر تعايشنا مع الرتابة..إنّنا نقاوم الرتابة بالتكرار..تزعجنا الطبقة المسطّحة من الوعي المقسم بالسوية بين القطيع..ذلك لأنّ العمق مخيف..والنفاذ إلى الأعماق يتطلّب غوّاصين مدمنين على اصطياد صدفات البحر العميق للمعرفة..سأتوقّف لأنّ أكتافي تؤلمني..تشوّش على عقلي..مع أنّنا لا نفكّر بأكتافنا إلاّ في حالة العناد.. والتّمرد..




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=77836
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 04 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 04 / 30