• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : هل صحيح أن جهاد النكاح حقيقة متأصلة في تراثنا الديني ؟؟؟ .
                          • الكاتب : مصطفى سليمان .

هل صحيح أن جهاد النكاح حقيقة متأصلة في تراثنا الديني ؟؟؟

كنت ولا زلت أقول دائما : كم نحتاج إلى مراجعة تراثنا الديني والتاريخي لمعرفة حقائقه من زيفه , وإن امرءا لا يتثبت مما يبلغه من أمر دينه باستعمال عقله والتفكر فيه أشبه بأرض لا يدري صاحبها بما يُزرَع فيها , فيلقي فيها ما يأتيه من حب ولو كان شوكا .

 
ما صرنا إليه اليوم من فضيحة كبرى تستتر باسم الدين بعنوان "جهاد النكاح" ليس ابتكارا عصريا , بل له جذور متأصلة قديمة , وإن كانت التفاصيل مختلفة لكن أصل الفكرة متجذر . ولذلك أقدم سؤالا لكل من يقرأ كلامي : إن كنت متزوجا بامرأتين هل تقبل يوما أن يأتيك صديقك طالبا منك أن تطلق واحدة منهما ليتزوجها ؟ بل ترى أن من الكرم بذل زوجتك لصديقك , وعرضهما عليه – وكأنه سوق نخاسة – بأن ينظر ويتأمل في زوجتيك , فأيهما وجدها أحب وأقرب إلى قلبه واشتهاها وطمع بها تتركها له ؟
 
أنا لا أتكلم عن جواز فعل ذلك أو عدم جوازه , فذلك هنا لا يعنيني , ولكن أولئك السلفيين والإخوان الشياطين وكثيرا من المشايخ التقليديين الذين يتكلمون دوما عن قيمة المرأة في الإسلام , وعن كرامتها , وعن حفظ المرأة وصونها عن أن ينظر إليها أحد , وعن الفصل بين الرجال والنساء , وعن .... ثم إذا بهم يروون أن ذلك كان من مكارم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , ويروون قصة في ذلك مستهجنة , أقول لهم : هل تقبلون مثل ذلك لكم من صديق عزيز عليكم ؟ فإذا لم تقبلوه واستهجنتموه فلِم تنسبونه أنه وقع على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه أقره , وتستحسنونه ؟!!
 
لن أطيل كثيرا فإليكم نص الرواية :
 
روى البخاري : لما قدموا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع , قال لعبد الرحمن : إني أكثر الأنصار مالا , فأَقْسِمُ مالي نصفين , ولي امرأتان فانظر أَعْجَبَهما إليك – وفي رواية : أحبهما إليك – فَسَمِّها لي أطلقها , فإذا انقضت عدتها فتزوجها . قال : بارك الله لك في أهلك ومالك , أين سوقكم ؟ فدلوه على سوق بني قينقاع .
 
ما أكثر ما سُمِع هذا الحديث يخطب به على المنابر , وخصوصا في مناسبة الهجرة النبوية الشريفة , على صاحبها وآله أفضل الصلاة والتسليم .
 
فما دمتم يا سادة يا مشايخ ترون ذلك كرما وجودا , وأنه من مقامات الإيمان الرفيعة , فهلا تفعلون ذلك مع أصدقائكم ؟ بلى لقد حرضتم الناس على أن تصبح النساء مشاعا اليوم باسم الجهاد . أليس في الحديث : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) فعليك أن تتمنى زوجتك لأخيك المؤمن ليكمل إيمانك , بحسب تصوراتكم المغلوطة , وإلا فردوا مثل هذا الحديث "حديث ابن عوف وسعد" , وقولوا : إنه حديث إفك مفترى .
 
لست متجنيا حينما أقول : إن أكثر مشايخنا يستنبطون من الحديث فائدة وهي الجود والكرم بالزوجة , وإليكم بعضَ النصوص :
 
ففي كتاب "سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام عليه الصلاة والسلام (ص 266) :
( ويزداد عجبك حين تسمع سعد بن الربيع وهو يقول لأخيه عبد الرحمن بن عوف : عندي زوجتان , انظر إليهما فأيتهما أعجبتك فسمِّها لي ؛ فأطلقها فإذا انقضت عدتها تزوجتها . الله أكبر ! الله أكبر ما هذا الذي نسمعه ؟ لا تعجب فإن الإيمان إذا تمكن من القلوب فعل أكثر من ذلك ) .
 
وفي كتاب "أهمية دراسة السيرة النبوية والعناية بها في حياة المسلمين" (ص 30) :
( والحق أنّ موقف سعد بن الربيع مع عبد الرحمن بن عوف لا يصدقه العقل , ولو لم يرد في صحيح كتب السنة لما صدقه كثير من الناس , وذلك لما فيه من تضحيات تفوق الخيال , هل يُعقل أن الإسلام والأخوة الإيمانية تجعل الشخص يبذل ماله وأهله لأخيه المسلم دون مقابل ؟ نعم , يُعقل وموقف سعد خير شاهد , والله إننا لمشتاقون إلى لقائهم والنظر إليهم ) .
 
وصاحب الكتاب دكتور , ويرى أن الأمر لا يصدقه العقل , لكنه صدقه , أظن ذلك يفهم منه العقلاء أن صاحب الكلام غير عاقل , ويرى أن بذل المسلم أهلَه لأخيه تضحية راقية تفوق الخيال , ويقبلها ويشتاق لأولئك الذين يبذلون زوجاتهم لأصدقائهم دون مقابل كرما وجودا !!
 
وفي كتاب "السيرة النبوية دروس وعبر" للشحود :
( لا شك أن استجابة الصحابة العميقة لنداء الرسول الكريم التي جعلتهم يتنازلون عن نصف أموالهم وعن زوجاتهم في بعض الحالات منبثقة من امتلاء واغتناء نفسيين ) .
 
وفي كتاب "الإدارة في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم" (ص 78) :
( ولم يقتصر كرم الأنصار على ذلك ؛ بل وصل إلى حد أن قال سعد ابن الربيع (ت 3 ه) لعبد الرحمن بن عوف (ت 32 ه) أخيه في النظام الجديد : « ... ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها , فإذا انقضت عدتها فتزوجها ) .
 
وفي كتاب "خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم" لأبو زهرة (2/493) :
( رابعا : [تشريع نظام يبني وحدة المسلمين ] : أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عندما عقد المؤاخاة كان يشرع للأمة من بعده هذا النظام الذي يجمع المسلمين , ولم يكن حكما لحادثة واقعة , ولا علاجا مقصورا على ما بين المهاجرين والأنصار , بل هو تأليف للمؤمنين ونظام متبع , وربما تكون الحاجة إليه من بعد أشد وأكبر , ولذلك كان ولاء الموالاة الذى تقرر أنه لم ينسخ , وأنه بين العرب وغيرهم من الأعاجم الذين يدخلون في الإسلام من بعد ) .
 
وهكذا يرى الشيخ أبو زهرة أن هذا النظام مستمر وباق بأن يتنازل المسلم عن زوجته للمسلم الجديد , وأن هذا نظام جامع وتأليف بين المؤمنين , وأن الحاجة اليوم أشد وأكبر , وهو من ولاء الموالاة !!
 
ولذلك يقول دكتورٌ :
( ويتمثل في سعد هذا نبل الوفاء والكرم , ووشيجة الإخاء وحب الأسرة , عندما آخى رسول الله بينه وبين عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما , فيعبر عن دلالة الفهم العميق لهذه الأخوة إكراماً لرسول الله وطاعة لأمره , وصدقاً في التنفيذ براحة قلب , وطيب نفس , فيعرض سعد على عبد الرحمن أن يناصفه ماله وأهله , وكان لسعد زوجتان ) .
 
فهل نتعجب بعد ذلك من أين جاء "الدواعش" و"جيش العهرة" وغيرهم بتلك الفتاوى التي مؤداها الاشتراكية في الزوجات ! طبعا لا غرابة .
فتلك الأحاديث وتلك الفتاوى وتلك التفسيرات مؤداها : بذل الزوجات = قمة الكرم , وخصوصا في الأيام العصيبة , جاء الإرهابيون ( عفوا من مشايخنا فكثير منهم يعتبرهم مجاهدين!! أخطؤوا الطريق !! ) ونفذوا تلك الفتاوى في قمة ( جهادهم !! ) فهم في غاية الحاجة لقضاء شهواتهم , فبدأت تخرج لهم فتاوى : ( جهاد النكاح ) و( أحكام السبايا ) وأمثال ذلك .
 
وهل تحبون أن آتي بفتاوى للمتقدمين قبل قرون يندى لها الجبين ؟! لا عتب ولا ملامة فقد زل حمار العلم في الطين .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=74728
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 02 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 16