• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التفاؤلية كإشراق.... .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

التفاؤلية كإشراق....

 ومن شأن التضخم في خطاب العقل أن يلفت انتباه دعاة المعنوية..وإن كنا نرى في هذا التضخم ما يجعلنا نقرر بأنّ خطاب العقل كما هو اليوم هو خطاب لامعقول..تلك هي المفارقة إذن أنّ العقل لا زال يبحث عن لغته المعقولة وفضائه المعقول..حتى الآن هو العقل في طور النشوء والتمرد على حصره الآلي..عصر العقل لم يكتمل بعد..واعلم أنّ آية لامعقوليته أنه عقل لم يبرح آليته..وهو في كل حين ينحدر إلى صقع المادّة بينما كان من المفترض أن يحدّ بينه وبينها الخيال..فالعقل أرقى من المادة برتبتين..ذلك لأنه أرقى من الخيال..ولكنه في آليته أدنى من الخيال، لذا تراه يعاقره بين الفينة والأخرى عساه يمتح منه فكاكا من حصره المادّي..كل ما يبدو لنا معجزة العقل هو معجزة عقل أداتي يفتقر إلى الخيال..وقد بدا لي أنّ فعل تأليه العقل على الرغم من كلّ نوباته هو أقرب أنواع الشرك إلى التوحيد.. ولعلّك تجد في ذلك مبالغة أو انتهاكا للمألوف من علم الكلام.. إنه كذلك لأنه ليس بعده إلاّ التوحيد..ولأنه ليس بعد العقل إلاّ الله..فهو أوّل ما خلق.. أعظم مخلوق..واسطة بين الخالق والمخلوق به يتحقق الثواب والعقاب..وأنت ترى أنّ أعتى مذاهب الفلسفة بمجرد تغيير تموقعها الموضوعي تثبت النقيض وتنتهك عنادها القديم..ولأن عصر العقل يؤسس لعصر إيمان مختلف..وعصر الإيمان القادم هو بحجم رشد البشرية وانقلاب الذهن البشري...لذا تزامن عصر العقل رغم ما ينتابه من الفتن بختم النبوّات باعتباره عصر الرشد..فالعصر قادم للرشد بعد كلّ هذا الجنون..وتضخّم مآسي اللاّمعقول تفسح الباب لدخول عصر المعقول..إنّه أيّا كانت فظاعات عصرنا فهو عصر الرشد..عصر خلية المعقول النائمة..لأنّه يملك ما يكفي من المفاهيم لتحويل المعتقد إلى معرفة خلاّقة..ولأنّ المعرفة رغم فوضاها الخلاذقة تعيش حالة انسياح واستهلاك عمومي..هو عصر يتأهّل لالتقاط كبرى المعاني..إنها حالة الفوضى والمخاض الذي يسبق الولادة..لا أحد يستمتع بهذه الفوضى ولا أحد يرضيه هذا السقف من المعقول/اللامعقول..حالة احتقان جماعي ضدّ الضّحالة..حالة استنكار باطني للجهل..تعلّق أكبر من أي وقت مضى بالخلاص والمستقبل..حالة تردد واستخفاف وتنسيب لا حدود له..قلق عارم وإصرار على رؤية ما لا يرى..والتفكير فيما لا يفكر فيه..والنظر في الممنوع وثورة على السّائد..عقل في طور التولد..والرشد يتحقق بالمخاض..ومتى بلغ الرشد واحتوى الروح المطلق لعصرنا كان ذلك ميلادا للانقلاب الأعظم في بنية العقل والخلاص من عصور الحصر والضّياع..نهاية أزمة العقل أو بالأحرى اكتمال سفره التاريخي..إنّ الأوج يحيل على الأوج..فإن رأيت في في عصرك هذا أوج الإنحطاط فاعلم أنه باب لأوج الرقيّ..وإن رأيت فيه أوج اللاّمعقول فاعلم أنه باب لأوج المعقول..وإن رأيت فيه نهاية التاريخ فهو بداية لتاريخ مختلف..هذه هي التفاؤلية الوحيدة التي تمنح معنى للاستمرارية في زمن طغى فيه اليأس وعربد...

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=73779
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 01 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15