كلّ يومٍ وليلة يخرجون علينا بنظريّةٍ أو تحليلٍ جديد ونحن لانفعل المزيد ..
فعلى سبيل المثال لا الحصر نشير إلى التذكير أو مراجعة بعض مايجري تداوله ضدّنا :
1- نفي العصمة المطلقة والولاية التكوينيّة والعلم اللدنّي وعلم الغيب والنصّ المسبق ونحوها عن الأئمّة الطاهرين .. عبر مايُسمّى بنظريّة " العلماء الأبرار " الرائجة نسبيّاً في العقد الأخير .. والتي لاتُبقي لأئمّة الهدى (ع) سوى مايتبنّاه التفكير السنّي في بيان منزلتهم (ع) .. ولو سلّمنا بها فلافرق آنذاك في الرؤية العقديّة بيننا وبينهم وانتهى كلّ شيء..
وعدّ متولّو النظرية تلك ، كونها فتحاً وكشفاً معرفيّاً جديداً ، بل ذهب بعضهم إلى كون ذلك من بديهيّات ومسلّمات أهل الفكر والنظر .
يُنقَل عن المرجع الديني الشبيري الزنجاني قوله مؤخّراً في مقام ردّ هذه النظريّة بما مضمونه :
المشهور بين الأصحاب أنّهم (ع) علماءٌ أبرار ؛ إذ الأئمّة (ع) لم يطرحوا مسائل نظير العصمة على الملأ العامّ ، ثم إنّ الناس لم يكونوا ملزمين بالاعتقاد بذلك .. إلى ذلك : تعقيدات الظرف لم تسمح ببيان أمثال هذه القضايا .. على أنّ الأصحاب لايعرفون سوى أنّهم يأخذون اُمور دينهم من الأئمّة (ع) دون غيرهم . نعم ، " أصحاب السرّ " كانوا يبَلَّغون بمسألة العصمة ويوصَون بعدم إذاعتها . والروايات المتفرّقة المختصّة كانت تُجمَع فتبلغ حدّ التواتر فتتحوّل إلى اعتقاد يقيني .. فلايُستفاد من ذلك أنّ أصحاب الأئمّة (ع) لم يقولوا بعصمتهم (ع) .. ولاغرو أنّ حتى زرارة لم يكن يعلم أنّ الأئمّة (ع) إثنا عشر ؛ حيث لم يكن ملزماً بمعرفة عددهم ، إنّما الإلزام هو بمعرفة إمام زمانه فقط .
وللأسف فإنّ المحافل الأكاديميّة لم تأخذ هذه الاُمور من مصادرها الأُمّ بل من الكتب المترجمة الفاقدة للأساس العلمي .
علماً بأنّ منشأ نظريّة " العلماء الأبرار " يرجع إلى عبارة عبدالله بن أبي يعفور - أحد خواصّ الإمام الصادق (ع) - : " أئمّة الشيعة علماء متّقون أبرار فقط " .. حيث استُفيد منها أنّ أصحاب الأئمّة (ع) لايعتقدون بعصمة الأئمّة (ع) ، بل من الغلوّ عدّهم معصومين !!
2- تشبّث القريب والبعيد بافتقادنا - نحن الشيعة - أو ضعفنا في المجال الاستدلاليّ العقلاني ، فلانستطيع خوض مسائل وقضايا مثل غَيبة الإمام الثاني عشر (ع) خوضاً عقلانيّاً ، بل نكتفي بالنصّ الذي لايقبله الآخر فضلاً عن المشاكل المحيطة به من هنا وهناك . والمحاولات الخجولة في هذا المضمار غير كافية أو لاتفي بالغرض
3- الملاحَظ انفتاح الفضاءات الثقافيّة والإعلاميّة على ترويج بعض الأفكار والرؤى والمباني التي تُنبت بذور التشكيك ولو على صعيدالنخب والمختصّين ، مثل تضعيف " قاعدة اللطف " التي تُعدّ ركناً من أركان البناء العقليّ لنظرية الإمامة والولاية والغَيبة ، والعمل على تقويضها بالبناء الحكمائيّ الفلسفيّ الذي يحاول نخرها ونسفها أنّى استطاع .
4-المسلم الشيعي - ولاسيّما العراقي -لايشبع رغبته ولاهدف له بل لايسكته سوى أداء الطقوس والشعائر الدينيّة بحرّيّة ودون تضييق ، فيعقد التجمّعات الميليونيّة هنا وهناك ، بهذه المناسبة وتلك ، تاركاً كلّ شيء خلف ظهره .. فلايهمّه المستقبل والنموّ ومعالجة المشكلات والقضاء على الفساد وتوفير الإمكانيات الضروريّة ... لذا فالذكيّ هو ذلك الذي فهم السرّ فاستطاع استغفال الشيعة حين أعطاهم مايريدون كي يفعل مايشاء دون أن يأبهون .
هذه مجرّد بعض نماذج كلّنا نعرفها ونعرف مناشئها ثم الغاية والغرض منها ، لكنّنا نبقى للأسف كما مضى لانحرّك ساكناً أو لانكون بمستوى الحدث غالباً ، في حين يستمرّ الآخرون ببناء مطابخ الفكر ، ببناء المراكز ومعاهد المطالعات والدراسات الاستراتيجيّة التي تشخّص الحاجة والنقص والخلل وتعمل على رفعها وردمها عبر صناعة الفكرة التي لابدّ أن تكسب رضى العقل الجمعي كي تأخذ طريقها نحو البلورة والتجسيد والممارسة الفاعلة .
فهل فكّرنا جادّين بإنشاء مطابخ الفكر التي تستقطب النخب والطاقات المختصّة المخلصة كي نقف على الحاجة والنقص والخلل ثم الإجابة عنها معرفيّاً وميدانيّاً ، أم لازلنا صنّاع فكرة من الطراز الرفيع لكن من جنس الفكرة التي تخدم رغباتنا ومنافعنا الخاصّة ليس إلّا ؟! |