• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الحداثة والهوية .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

الحداثة والهوية

 ومع أنّ الحديث عن أثر التحديث على الهوية بلغ منتهاه في دفاتر نظّار النهضة العربية لا سيما المتحسّسين، فإنّ السّؤال المذكور لم يكن في نظر من أوغل في النّظر محلّ بداهة..كيف يجرف التحديث الهويّة وما قيمة الهويّة إذا كانت تعاكس التحديث؟ وعن أي هويّة نتحدّث؟ وكما أن هناك من هيمنت عليه مفاهيم تقليدية عن العقل فإنّ هناك من هيمنت عليه مفاهيم تقليدية عن الهوية..لا يقتصر هذا الحصر على مفهوم الثبات بل حتى على مفهوم الحركة..نعذر هؤلاء لأنهم ميّزوا بين الحركة والثبات على أسس ميتافيزيقية تستبعد الوظافة السوسيولوجية للهوية..من هنا نظرنا دائما للهوية على أنّها الشكل الذي يحيل على كيفية في الحضور ومستوى في الوظيفة وطريقة في التّكيّف مع المجال..وبناء على جدل الكوني والخاص، فإنّ الهوية ما هي إلاّ حالة تحقق الكوني في الخاص، الهوية باعتبارها حاملة لماهية الإنسان في مجاله الخاص..وكانت الحداثة نفسها عاجزة عن الحسم في مفهوم الهوية..فلقد استعملت الخرائط الهويّاتية في دعم سياسات عنصرية ساهمت في منح الحق في الاستعمار والإبادات والاستئصال وكل صنوف الشوفينيات وانتهت إلى النازية والفاشتية والعنصرية والصهيونية وغيرها من الدعوات التصنيفية التي تعتبر ظواهر داخل الحداثة وتستمد مشروعيتها من داخل الفكر الحديث..الحداثة في نظر هنتنغتون مع جملة من مستلزماتها ليست شأنا لغير الغرب..ومن منطلق رؤية عنصرية قدّم وصفة لنزع فتيل التدخل والحروب بإقناع غير الغربيين بدونيتهم الحضارية..هل ثمن الحداثة أن يكون قدره أن نستعيد اللحظة الفاوستية لانتزاع الهوية؟ في تقديري الهوية أمر مركب ولكنه يستند إلى جوهر عميق يشكل الناظم الحيوي داخل هذا التركيب الهوياتي..هو الذي يعيد إنتاج الهوية بأشكال مختلفة وتوزيع متنوع..وبغضّ النظر عن المقاربة المعيارية للهويّة فإنّ الهوية تأخذ أشكالا مختلفة وتفقد هالتها وتكتشف آفاقا ووظائفة لها جديدة وتواجه حالات من القلق ولكنها لا تضمحل..وداخل الحداثة كان تأثير الهويات الصغرى كبيرا..في الثقافة والفنّ وباقي الأنماط..إنهم يحولون بين وصول الهويات الصغرى إلى مركز الحداثة حتى لا تصبح جزء من الهوية العالمية للحداثة..يصبح الصراع الهوياتي في قلب معادلة الصراع حول الحداثة..أمام الهويات الصغرى فرصة أنّ تساهم في تشكيل الهوية العالمية من خلال ما تستطيع تحقيقه في مركز الحداثة وليس على هامشها..ومع ذلك يجب أن نقرّر بأنّ الهوية مهما ضمرت واضمحلّت وتراجعت فهي تحافظ على جوهرها العميق..هذا الجوهر الذي لا يفتأ يحنّ إلى المجد..الهويات تنطوي على نفسها حينما لا تجد لها دورا فاعلا في الكون الإنساني..ولكنها ما أن تستعيد دورها الريادي حتى تظهر من تحت الرماد كطائر الفينيق..العودة إلى الذّات أو العودة إلى الهوية يتحقق بالعودة إلى الفاعلية، وليس مجرد دعوى شعرية أو شكلا من النرجيسية المحبطة... 27/4/2015




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=67447
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 09 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15