• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الكوني والخصوصي حيث عجز تدبير العقل العربي .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

الكوني والخصوصي حيث عجز تدبير العقل العربي

 تحددت مصائر العقل العربي إزاء المستقبل بمدى قدرته على الاستجابة والتكيّف الخلاّق مع تحدّيات الحداثة..لم يعد بالإمكان إهمال هذا السّؤال أو الاستهتار بمدى خطورته..إنّه يتوقف عليه شرط التّقدّم..والحداثة فرضت ولا زالت تفرض على العقل العربي أمرين: واجب أن تتقدّم، وكيف تتقدّم..لا خلاف حول وجوب أن تتقدم مبدئيا..لكن الخلاف لا زال على أشدّه حول كيف تتقدّم..من بين هذا الجدل انبثقت العلاقة المعقدة بين الكوني والخصوصي..جدلية استغرقت الفكر العربي ولا تزال..ويبدو أن الكونية تفرض شروطها بسلطة الحضور والغلب والتجارة الدولية ..كان الجدل حول المركز والهامش، وسرعان ما انحرف في اتجاه الكوني والخاص..والحقيقة أنّ الكوني هو في نهاية المطاف هو المركزي والخصوصي هو الهامشي..هذا هو رهان القوةّ..ودائما سنتحدّث عن استمرارية توزيع المهام التاريخية والعمل وفق المعايير نفسها التي عرفها العهد العبودي..إنّ إمبريالية المركز هي التي تفرض نموذجها التّاريخي بغضّ النّظر عن الجانب المعياري للحضارة الحديثة..وكما أوضحنا فالحضارات لا تتحاور بل تتناسخ..الحضارة هي قوة الحضور ورسوخ في الحضورة والقوة..والقوة ليست توافقية..والحداثة قوة..وإذا لم تستلهم من أسباب قوّتها لن ترقى إلى مركزها..إنها إمبريالية الكوني..الكوني الذي يجتاح الأمم بقوة الحضور والهيمنة والقوة..لا توجد كونية إنسانية حقيقية بل هناك فقط كونية إمبريالية مغشوشة حينما يراد لها أن تفرض بخطط سياسية لا بخطط حضارية وتاريخية..الكونية كانت ولا زالت فكرة في الأذهان..وما في الذهن هو من الكلّيات..والكلي لا يقع في الواقع إلاّ خصوصيا..الواقع لا يوجد فيه إلاّ الكلّي..ولكن سأفصّل قليلا في هذه المسألة لأنها تشكلّ محور النقاش حول هذا الموضوع..في الفكر العربي تخبّط النقاد حول هذه العلاقة الجدلية..أمّا رأي الكلاسيكيين منهم فقد بان وظهر عواره..نظرة ساذجة عن الكوني قبولا به أو رفضا..لن نقف عند مفهوم الكوني كما فهمه شبلي شميل وفرح أنطون وسلامة موسى وطه حسين والرعيل الذي أنهى عهد النهضة العربية خلال القرن التاسع عشر ومبتدء القرن العشرين..وإنما لنتقدم قليلا نحو تيارات الحداثة ونقادها ومتبنيها في زمن انتعاش الأيديولوجيات العربية..الكوني في نظر ناقد الأيديولوجيا العربية المعاصرة(عبد الله العروي) هي غاية أسمى للمجتمعات كلاّ ومنها العرب بلا استثناء..الاستثناء مرفوض..وإمكانية تمثّل الثقافات ومحق فكرة الهويّات أمر ممكن..واختزال الزمن وتحقيق الطفرة وارد ..والتاريخانية بمدرستها الماركسية كافية ومفيدة للعرب لتأهيلهم وتكريس نزعة الفكر التّاريخي في العقل العربي..وهذه الكونية بمواصفاتها العروية مغرية نظريا مستبعدة واقعا..وهي الطريق السهل في خطط التحديث، لكنها تستبعد التحدي الثاني وهو كيف نتقدّم.؟.يرفض العروي الانتقاء، لأن الكوني هو هذا الكل..الاختباء خلف الهويات والخصوصيات أمر مضلل.. أما الكوني في نظر ناقد العقل العربي(الجابري) هو منتقى.. هو حصيلة نخل أو لنقل تبيئ بلغته.. خصوصية تنتقي أجود ما في الحداثة وأجود ما في التراث.. حصيلة تركيب لا يمكن أن يحدث إلاّ في الذهن.. حلّ مثالي يفوق سلفه الناقض على السلفية كما في الأيديولوجيا العربية المعاصرة.. والكوني في نظر ناقد التقليد العربي (طه عبد الرحمن) هو ما يعاد صياغته في قوالب المجال التداولي بقواعده في التقريب.. الكوني لا مشروعية له إلا أن يعاد ترجمته مجاليا.. وهي ترجمة تسحقه وتأكل محتواه ضمن شكل من الترجمة التداولية المستحيلة.. كلّ هذه المقاربات للعلاقة بين الكوني والخصوصي لم تقترب من جدلهما الداخلي.. لم تقف على العلاقة العضوية بينهما.. بعد أن غرق طه عبد الرحمن في تدبير العلاقة التداولية التي عجزت عن إيجاد رابط موضوعي بين الكوني والخصوصي كنت قد نبّهته وأعدت قراءة مقاربته التداولية للكوني والخصوصي ضمن مقاربة فلسفية مختلفة في موارد كثيرة ولقاءات مباشرة ليس هاهنا مجال استعراضها تفصيلا.. وبالفعل اقتبسها منّي في يوميات نقاشنا حول فكرته عن المجال التداولي ، ثم سرعان ما عاد لها في نهاية أعماله غير الرئيسية ليتبنّاها وليحلّ بها مشكلته دون أن أنال شكرا على إنقاذ مشروعه، لأنّ فكرته فهمت يومئذ على أنها رفضا للحداثة وكانت الحداثة قد أصبح لها وضع دستوراني في المغرب حيث بات الحديث عن المغرب الحداثي له سلطة سياسية..ربما انتقدني بطريقة غير مباشرة في ذلك العمل الذي سنذكره في مورده الخاص..ومن مفارقات الأيديولوجي العربي أنّه يهجوك و لا يحيل على ما كان محل إعجاب..الوصفة التي قدّمتها تتعلّق بحقيقة الكوني العام والخصوصي المشخّص..ذكرت يومها أنّ الكوني لا وجود له سوى نحو وجود ذهني..بينما إذا تشخّص وجب له الاختصاص..فالخاص هو نفسه الكوني مشخّصا..وأي اجتهاد في تشخيص الكوني وإخراجه من وجوده الذهني إلى الواقع وجب أن يتشخّص..من هنا تبدو الدعوة للكوني بالشكل القديم ضربا من الخيال والمثالية..هذه الفكرة اقتبسها آخرون ومن دون إحالة كالعادة مع أنّي عالجتها في كتابات سابقة ومع المعنيين مباشرة..والحاصل أنّ هذه التخريجة النظرية تشكل وصفة متقدّمة تعفينا من مثالية العروي والجابري وطه عبد الرحمن لصالح واقعية تنطلق من الجدل الخلاق بين الكوني والخصوصي..فالخصوصي لا ننتقيه بل هو ضريبة التنزيل الواقعي للحداثة في المجال الخاص..ولكن في هذه المناسبة سأتقدّم أكثر وأضيف إلى هذه الوصفة مزيدا من التحقيق لأبتعد حتى عن تلك الفكرة التي تحدثت عنها واقتبسها طه عبد الرحمن ولم يطورها..سأتحدّث هنا عن الخصوصي/ الكوني..هكذا من دون واو العطف..تماما كما تحدّثت في مقام آخر عن الثابت/المتحول من دون واو العطف على طريقة أودونيس التقليدية التي تقع في ما قبل الحركة الجوهرية..وفكرة الخصوصي/الكوني تستمدّ مشروعيتها من علم الوراثة..مفهوم بيولوجي..يتعلّق الأمر أيضا بمفهوم الهولوغرام..هنا وجهة نظر إدغار موران تنفع في استعمال المفهوم في مقاربات أخرى..لكنني أراها مناسبة في مجال العلاقة بين الكوني والخصوصي..إنّ الخصوصية ليست اقتطاعا من الكوني وانتقاء بل هي حصيلة صيرورة الكوني نفسه..إنّ الخصوصية حتى برسم الانتقاء تضعنا أمام فكرة الجزئي الذي لا تضمحلّ فيها حقائق الكلّي الأخرى، بل الجزئي هنا وارث لكل صفات الكلّي..بل في الجزئي توجد كلّ نعالم بنية الكلّي مما يجعل الجزئي قادرا أن يقوم بوظيفة الكلّي أيضا..إنّ الخصوصية حينما تتحقق بهذا الوعي الذي يعتبر الخصوصية صيرورة للكوني في المجال الخاص وعملية تنزيل واقعي خلاّق للكلّي تصبح ، أعني الخصوصية المذكورة هي نفسها الكلّي مشخّصا وفق المنظور الهولوغرامي المذكور..ستجد الخصوصية نفسها حينما تنفتح بانضباط الصيرورة التاريخية للأشياء أنها تملك في ذاتها هذه الخريطة الجينية للكوني...ثم سنكتشف أنّ جدل الكوني إذا ما خرج عن هيمنة الريع التنموي للمركز تجاه الهوامش بأنّه جدل متبادل التأثير..فالمركز هو نفسه معني بالتكييفانية الخلاّقة لما ينتج من ممانعات معيارية للهامش..حينما يتأثر المركز بهامشه ويتبادلان التأثير..إننا لم نقم بعملية استقراء لعدد القيم الهامشية التي تحولت إلى المركز واكتسبت الصفة الكونية..وحصيلة هذه المقاربة أنها تعيد الجدل حول العلاقة بين الكوني والخصوصي إلى لحظتها التكاملية وليس الصراعية..هناك صيرورة للكوني في جزئه وليس تقطيع وقطيعة..حتى مفهوم القطيعة لن يصبح مفهوما دراماتيكيا..سنتحدث عن إعادت تشكيل بنى الإنسان ونحلّ إشكالية القطيعة بمفهومها التاريخي والمعرفي والعلمي..إنّ فعل البنى هو فعل وظائفها..وتظلّ العلاقة الممكنة التي ما فتئنا ندعوا لها لإعلان المصالحة بين البنية والتّاريخ ضامنة لهذا الرهان..وأساسا لقيام جدل تكاملي بنّاء بين ما للبنية وما للتّاريخ..فمكر التّاريخ ليس أقوى من مكر البنية..والحداثة هي حصيلة تطور تاريخي وتغيير بنيوي..التاريخ لا يتطور إلا وفق تحولات بنيوي..فبقدر ما تكون البنى تاريخية يكون التاريخ بنيويا أيضا..يتطور التاريخ ولكن ليس في خط مستقيم بل في حركة حلزونية تجعله عبارة عن تحولات بنيوية لها التواءاتها التاريخية..إن الكوني يكتسب هو نفسه قيمته المعيارية من الجزئي..من الخصوصية التي تثريه وتمنحه قدرة على التحقق والحضور..الحضارة هي في نهاية المطاف قدرة الثقافة أن تتحوّل إلى تفوق وإبداع واقعي..الحضارة كما عرّفتها في كتاب " حوار الحضارات" هي ثقافة بالفعل..والثقافة هي حضارة بالقوة..حضارة حتى بتعبير بروديل غير مكتملة..وهذا يعني أن كمال الثقافة في قدرتها على أن تصبح راسخة في الوجود حاضرة بقوة تجعلها نموذجا للإقباس والمقابسة..فالعلاقة بين الكوني والخصوصي التي تقع في صلب الجدل حول الحداثة لم تعد علاقة توتّر وصراع واستئصال وعناد ومركز وهامش بل ستصبح صيرورة تكاملية، ولم لا وكما في المنطق الرياضي لنظرية المجموعات، يصبح الجزء مساويّا للكلّ..أو في منطق الانقسام الخلوي ونظرية الاستنساخ البيولوجية إعادة توليد الكلّي من داخل الجزئي؟...

24/4/2015



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=67289
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 09 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15