• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : بحوث ودراسات .
                    • الموضوع : الشرق و الغرب و السَبق الحضاري قراءة في التاريخ .
                          • الكاتب : الشيخ ليث عبد الحسين العتابي .

الشرق و الغرب و السَبق الحضاري قراءة في التاريخ

المقدمة

    إن جدلية الشرق و الغرب , و صراع الحضارات , و ما شكل ذلك موجود في الأدبيات الشرقية , و الغربية على حدٍ سواء , و من أهم هذه الجدليات أسبقية و قِدم الحضارة , و هل إن الشرق أم الغرب هو صاحب الحضارة الأقدم ؟ و كيف ؟ و ما الدليل على ذلك ؟ و من الذي أستفاد من الآخر و كيف و متى ؟
أسئلة كثيرة , و محيرة , و متداخلة , بعضها جاوبت عنه كتابات و مؤلفات عُقدت لمثل هذه الأمور , و بعضها لم يكن جوابه كافياً و شافياً بالقدر المطلوب , و بعضها تحتاج إلى إعادة نظر , و بعضها ظلت مبهمة تحتاج إلى الجواب عنها .
في الواقع إن الذي يراجع كتاب ( شمس العرب تسطع على الغرب لزيغرد هونكة  ) , و كتاب ( فضل الإسلام على الحضارة الغربية لمونتغمري وات  ) , و كتاب ( أسلافنا العرب لبوجن أولسومر )  , و كتاب ( الإسلام كبديل لمراد هوفمان  ) , و كتاب ( روح الحضارة العربية لهانز هينرش شيدر  ) , و كتاب ( جاذبية الإسلام لمكسيم رودنسون  ) , و كتاب ( الأثر الشرق : أدنوي في الثقافة اليونانية في العصر البدائي الأول لفالتر بيركيرت ) , و كتاب ( أثينا السوداء : الجذور الأفروآسيوية للحضارة الكلاسيكية لمارتن برنال ) , و كتاب ( الأساطير اليونانية و بلاد الرافدين لتشارلز بينغليس ) , و كذلك مؤلفات رينهارت ماي الألماني الذي كتب في ( مصادر هيدجر المخبوءة : التأثيرات الآسيوية الشرقية في أعماله ) , و هارولد كاورد الأمريكي الذي كتب حول ( جاك دريدا  و الفلسفة الهندية ) و الذي يكشف فيه عن الدين الذي أخفاه دريدا عن قرائه و مريديه , و كذلك غراهام باركس الذي يحرر كتاباً يجمع فيه جملة أبحاث تناقش علاقة نيتشه بالفكر الآسيوي يحمل عنوان ( نيتشه و الفكر الآسيوي ) , و كتاب ( الشرق في الغرب لجاك غودي  ) , و كتاب ( تنوير شرقي لـ ج . ج . كلارك ) , و غيرها من الكتب التي يلاحظ فيها و بما لا يقبل الشك فضل الحضارة العربية , و الإسلامية على الحضارة الغربية بشكل عام , و من خلال أمثلة واضحة .
إن التطور الكبير و الملفت للنظر الذي شهده الغرب و المتمثل بـ( عصر النهضة )  كان بفضل العلوم و النظريات , و الكتب التي ترجمها علماء الغرب من اللغة العربية , و من الحضارة الإسلامية و بالخصوص ( القرآن الكريم ) , و يمكن التأكد من ذلك بمجرد مراجعة الكتب التي كتبت و تخصصت بمثل هذه البحوث , و منها الكتب المتقدمة , و إن كتاب ( رحلة الكتاب العربي إلى ديار الغرب فكراً و مادة للدكتور محمد ماهر حمادة ) و الواقع في مجلدين , يعتبر دراسة مهمة في مجال الببليوغرافية , و الوثائق , و النصوص , و التاريخ , و من المهم الاطلاع عليه في مجال تحـديد مرجعية الحـضارة ما بين الشرق و الغرب .
ففي المقدمة التعريفية للكتاب نقرأ : (( ... هذا و يتألف الكتاب من قسمين أساسيين متكافئين .
الأول : دراسة منهجية في انتقال التراث العربي المخطوط إلى ديار الغرب و كيف استفاد الغرب منه و كيف نُقل هذه التراث إلى لغات الغرب و أشهر النقلة , و الطرق و المعابر التي أنتقل عبرها , و ما هي نظرة القوم إلى العملية , و ما هي الصعوبات التي واجهتهم , و ما هي اهتماماتهم , كذلك بحثنا في استفادة الغرب من معطيات الشرق و كيف أثرت هذه المعطيات في نهضة الغرب , و ما هي الوسائل التي اتخذها الغرب لحسن استفادته من هذه المعطيات . كذلك ذكرنا الموضوعات التي أهتم بها الغرب أكثر من غيرها و كيف كان التركيز عليها ... هذا في المرحلة الأولى من عملية تمثل المعطيات الحضارية للإسلام و العرب .
أما في المرحلة الثانية : و هي مرحلة تفوق الغرب في جميع المجالات و شعوره بتفوقه , فقد بدأت الغارة على العالم الإسلامي ... و أوضحنا اهتمام القوم بتراثنا و كيف جمعوه من جميع بقاع دنيا العروبة و الإسلام و بمختلف الوسائل و كيف حفظوه و حققوه و نشروه و ترجموا كثيراً من عيونه و ألفوا حولنا و حول حضاراتنا الكثير و الكثير جداً ... ))  .
و يقول الكاتب الدكتور ( محمد ماهر حمادة ) بشأن قضية الشرق و الغرب و القِدم الحضاري : (( إن العلاقة بين الشرق و الغرب قديمة جداً , و أقدم مما يتصور كثير من الناس ... و لما كانت حضارات الشرق أقدم بكثير من حضارات الغرب و أعرق , فمن المفروض و من المعقول أن الغرب لما بدأ يأخذ بأسباب المدنية , اتجه صوب الشرق يستعين بحضاراته الأرقى و الأعرق حتى يستطيع تسيير أموره . و الواقع أن الغرب كان في ظلام حضاري دامس عندما كانت الحضارات المصرية و السورية و الأكادية و السومرية و البابلية في أوجها , و إن أول الشعوب الأوربية تحضراً هي تلك الشعوب التي احتكت بالشرق و حضاراته عن طريق التجارة , و أعني بذلك الشعوب القاطنة فيما يسمى الآن بلاد اليونان . و إن بدايات تحضر الشعوب اليونانية لم يبدأ إلا في القرن " السابع ق . م " فما بعد , و هم كانوا شعوباً بَحرية تجوب البحار المحيطة بها من أجل التجارة , و لذلك فقد تأثروا بالشعوب القاطنة على شواطئ البحر المتوسط و التي هي أعلى ثقافة و حضارة منها مثل المصريين و الفينيقيين و غيرهما من الشعوب , و قد أخذ اليونانيون عن الفينيقيين الأبجدية و الأرجوان و صناعة الزجاج و عبادة الإله ديونيسيوس و ذلك باعترافهم هم أنفسهم كما هو ظاهر من أسطورة قدموس . كذلك أخذوا عن المصريين و عن البابليين بعض مبادئ الفلك و الحساب و ما ماثل ... و يجب هنا أن نتوقف لنقول أن أغلب الحضارات اقتبست من بعضها و ليس في هذا غضاضة لأن الحضارة شعلة من نور لا يستمر نورها في التألق و الانبعاث و الانتشار إلا إذا استمرت تغذيتها باستمرار و من جميع الناس في مختلف المناطق و الأمصار و على مدى الدهور و الأعوام ... ))  .
و هذا القول أو هذه النظرية هي من المسلمات لدى كل علماء الإسلام , و لدى كل المنصفين من غيرهم , فهي ليست مجرد أقوال , و هي ليست ادعاءات , بل هي واقع له أدلته و مؤكداته و مؤيداته .
يقول الشيخ النائيني  ( رحمه الله ) : (( فإن المطلعين على تاريخ العالم يعلمون بأن الأمم المسيحية و الأوربية لم يكن لها قبل الحروب الصليبية أي نصيب من العلم و المدنية و النظم السياسية ... فأخذوا الأصول الإسلامية في حقلي التمدن و السياسة من الكتاب , و السنة , و من خطب و مواقف أمير المؤمنين " عليه السلام " و بقية المعصومين . و قد اعترفوا بذلك في تواريخهم السابقة منصفين ... و أعلنوا أن جميع ما حصلوا عليه من الرقي و التقدم , و ما وصل إليه المسلمون في أقل من نصف قرن , كان نتيجة للالتزام بتلك المبادئ و إتباعها إن حُسن ممارسة الأوربيين لهذه المبادئ , و جودة استنباطهم و استخراجهم لها , و بالمقابل السير القهقرائي للمسلمين و وقوعهم تحت نير الاستعباد المذل , و تحولهم إلى أسرى بأيدي طواغيت الأمة المعرضين عن الكتاب و السنة هو الذي آل بأمر الطرفين إلى ما نشاهده اليوم , حتى نسي المسلمون تلك المبادئ , و أخذوا يظنون أن تمكين النفوس لتلك العبودية , و ذلك الاسترقاق هو من وحي الإسلام , و استنتجوا أن هذا الدين ينفي التمدن و العدالة اللذين يمثلان أساس الرقي , و حسبوا أن الإسلام يخالف العقل , و أنه أساس الانحطاط و التخلف ))  .
و هذا ما يؤكده أستاذ التاريخ و العالم الانكليزي ( ج . هرنشو )   إذ يقول : (( فكذلك الصليبيون , خرجوا من ديارهم لقتال المسلمين فإذا هم جلوس عند أقدامهم يأخذون عنهم أفانين العلم و المعرفة ... ))  .
كما و يقول المؤرخ العربي ( جمال الدين الشيال )  بهذا الصدد ما نصه : ( انقلب الأوربيون إلى ديارهم بعدما منوا بالهزيمة في الحرب الصليبية , و قد بهرتهم أنوار الحضارة العربية الإسلامية و أخذوا مفاتيح تلك الحضارة , فتفرغوا لها ... يقتبسون من لآلئها و ينقلون آثارها , و يدرسون توليفاتها , و قد ساعدتهم عوامل أخرى , جغرافية , و تاريخية , و اجتماعية , و اقتصادية , على أن يسيروا بالحضارة في طورها الجديد , على طريقة جديدة تعتمد أكثر ما تعتمد على التفكير الحر أولاً , و على الملاحظة و التجربة و الاستقراء ثانياً , فمهد هذا كله لهم السبيل إلى كشوف علمية جديدة شكلت الطلائع لحضارة القرنين التاسع عشر , و العشرين ... كان الأوربيون يفعلون هذا كله , في حين كان الشرق ـ بما فيه العالم العربي ـ قد أتخذ لنفسه , أو أتخذ له القدر , أسلوباً آخر من الحياة , يختلف كل الاختلاف عن الأسلوب الذي اصطنعته أوربا لنفسها , أو أصطنعه القدر لها )  .
على الرغم من اعتراف بعض مفكري أوربا بتأثير التراث الحضاري العربي الإسلامي على الحضارة الغربية , إلا أنه ساد اتجاه ناكر و متنكر لهذه الحقيقة التاريخية , من خلال السعي نحو طمسها , أو التقليل من شأنها , و قد دعم هذا الاتجاه حركة الاستعمار الأوربي للعالمين العربي و الإسلامي , موكداً عجز العرب و المسلمين عن الابتكار و الأبداع , و الإسهام في ركب الحضارة الإنسانية , الأمر الذي يجعل من ( التغريب ) ( Westernization ) و الدعوات التغريبية أمراً ضرورياً من أجل مواكبة تطورات العصر الحديث .
فتبجح الغرب أن مرجعيته الفكرية هي يونانية , و رومانية , و ان النهضة و الإصلاح في أوربا و العالم الغربي قد انطلقت من خلال الارتباط المرجعي بالتراث اليوناني و الروماني ما هو إلا أول الكلام , فمن أين جاء اليونان و الرومان بمظاهر حضارتهم , و كيف طوروها , و ما هو أساسها ؟
الجواب هو الجواب  و كما تقدم من أن الفضل يعود للحضارات البابلية و المصرية و ما شاكلها في تطور و تمدن الغرب المتمثل في ذلك الوقت بالحضارتين اليونانية و الرومانية .
و لابد أن نعلم (( أن الحقيقة التاريخية هي أن رواد الحداثة الأوربية ظلوا ينظرون منذ القرن الثاني عشر الميلادي إلى القرن الثامن عشر إلى التراث العربي الإسلامي بالاعتبار و الانبهار نفسيهما اللذين ننظر بهما نحن اليوم إلى منجزات الحداثة الأوربية و مفاهيمها و شعاراتها ))  .








إن المتتبع لتاريخ ( حركة الإصلاح )  ( Reform Movement ) , و ( عصر النهضة ) (  Era Renaissance ) , و ( عصر الأنوار ) (  Era EnLightenment ) يلحظ و بما لا يقبل الشك الدور الكبير الذي لعبته ترجمات الكتب و المؤلفات العربية إلى اللاتينية في تأسيس فكرة الإصلاح و نشرها .
و من أبرز هذه الكتب التي كان لها الأثر الكبير في تطور حركة ( الإصلاح ) و انتعاش فكر ( النهضة ) , و رواج حركة التأليف , و الكتابة , و غيرها هو ( القرآن الكريم ) , فلقد كان لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللاتينية ثم إلى اللغات الأخرى الأثر في تطور حركة التأليف , و رواج المؤلفات , و استقطاب معانٍ جديدة لم تكن أوربا , و لا العالم الغربي يعرفها قبل ذلك , مع العلم أن الترجمة  كانت بهدف التعرف على الإسلام , و من ثم معرفة كيفية مقاومته من خلال التعرف على أهم مصدر للتشريع فيه إلا و هو ( القرآن الكريم ) .
و أول من قام بترجمة معاني القرآن و بحسب المصادر الأوربية هو رجل الدين المسيحي ( بطرس الجليل )  رئيس دير كلوني  في فرنسا , و الذي قام بعدة جولات في الحدود الفرنسية مع بلاد الأندلس بين عامي ( 1141 م ) و ( 1143 م ) هدفها التعرف على الإسلام و المسلمين , و الذي قرر أن ينقل الصراع مع الإسلام من ساحة الحرب إلى ساحة الثقافة و الفكر . و قد حصل في سعيه هذا على مساعدة أسقف طليطلة ( رايموند دو توليدي )  , و قام إثر هذه المساعدة بتشكيل مجموعة هدفها ترجمة القرآن كان من أبرز أعضائها ( بيير الطليطلي )  الذي كان يجيد العربية , و رجل آخر من أصل إنكليزي هو ( روبرت الكتوني )  , و طبعت هذه الترجمة لأول مرة في سويسرا عام ( 1543 م ) , كما و ظهرت طبعة أخرى عام ( 1547 م ) , و نقلت هذه الترجمة إلى الألمانية عام ( 1616 م ) , ثم إلى الهولندية عام ( 1641 م ) , و في عام ( 1641 م ) قام ( أندري دي ريي ) بنقل هذه الترجمة إلى الفرنسية تحت عنوان ( قرآن محمد ) , و هكذا توالت و تزايدت الطبعات للقرآن الكريم في عدة بلاد أوربية . كما و ظهرت ترجمات أخرى , و كتب في الرد على الإسلام شكلت فيما بعد مرجعية أنطلق منها ( المستشرقون ) في حربهم على الإسلام .
إلا أن أعداء الكنيسة من أصحاب المذهب ( الأنسانوي )  ( Humanism ) وظفوا ترجمات القرآن الكريم لتعزيز موقفهم من الكنيسة , و من كل مظاهر التحجر و التسلط , و بادروا في نشر ثقافة جديدة تعتبر الإنسان غاية في حد ذاته , و إعلاء شأن الفرد الإنساني , و التأكيد على حريته الدينية و الذاتية , و إن التعامل معه لابد أن يكون من خلال كونه فرد إنساني لا من خلال الإطار الديني , كما و إنه لا يحتاج في تعامله مع الآخرين أو مع الرب إلى وسيط كـ( الكنيسة ) و ما شابهها , و قد كان أكثر ما يشدهم إلى القرآن الكريم هو استغناؤه عن الوسائط , و إعلاؤه من شأن الإنسان , فتنصيص القرآن الكريم أن الله تعالى فضل الإنسان و كرمه و سخر له كل شيء من خلال التأكيد على أنه أرقى المخلوقات , و إنه غاية الخلق , و الإبداع الإلهي , كل ذلك كان يقدم الدعم لدعاة النزعة ( الأنسانوية ) , و التي خرج من جوفها تيار الإصلاح الديني الذي عم أوربا , و تواصل ليفجر عصر النهضة و التطور فيها .
لقد أخذ رجال عصر ( الأنوار )  أمثال ( فولتير )  , و ( مونتسكيو )  , و ( جان جاك روسو )  , و كذلك ( توماس هوبز )  , و ( جون لوك )  , و ( فرنسيس بيكون )  الكثير من الحضارة الإسلامية , و بالخصوص من ( القرآن الكريم ) , من معانٍ , و بلاغة , و استعارات , و تشبيهات , و تصويرات , و تعلموا منه كيفية التخاطب , و أسلوب التخاطب , و قلدوه في رقة العبارات , و استيعاب المعاني في الألفاظ , و كذلك أخذوا من التراث الحديثي , و من التراث الأدبي العربي و الإسلامي الشيء الكثير . لكن الكثير منهم إن لم نقل الكل لم يُبرزوا ذلك , و لم يُشيروا إلى فضل القرآن ـ و باقي العلوم التي أخذوها من الحضارة العربية و الإسلامية ـ في ذلك , بل أوعزوها إلى أنفسهم , و إنها من عندياتهم , و من تراثهم !!؟
لكن المتتبع الواعي , و المدقق الحصيف يستطيع استخراج مئات بل آلاف الأمثلة على سرقات تمت للحضارة العربية الإسلامية لتوسم بعد ذلك بالسمة الغربية , و تصبح حكراً عليها , و مقرونةً بها .
و إلى ذلك يشير الشيخ النائيني  ( رحمه الله ) بقوله : (( ... فأخذوا الأصول الإسلامية في حقلي التمدن و السياسة من الكتاب , و السنة , و من خطب و مواقف أمير المؤمنين " عليه السلام " و بقية المعصومين . و قد اعترفوا بذلك في تواريخهم السابقة منصفين ... و أعلنوا أن جميع ما حصلوا عليه من الرقي و التقدم , و ما وصل إليه المسلمون في أقل من نصف قرن , كان نتيجة للالتزام بتلك المبادئ و إتباعها ... ))  .
و لابد من العلم أن الكثير من الكلمات و العبارات و المصطلحات المستخدمة اليوم في بلاد الغرب و أوربا أصلها عربي , و يمكن مراجعة كتاب ( شمس العرب تسطع على الغرب لزيغرد هونكة  )  , و كتاب ( فضل الإسلام على الحضارة الغربية لمونتغمري وات  )  , و غيرها من الكتب الأخرى التي أشارت إلى ذلك .
 كما و إن آثار قصص ألف ليلة و ليلة تُرى في الأدب الأوربي جلية واضحة , و كذلك ( روميو و جولييت ) المستوحاة من ( قيس و ليلى ) , أو ( قيس و لبنى ) , و ( روبنسون كروسو ) المستوحاة من ( حي بن يقظان ) , و الكثير الكثير من ذلك لمن يريد تتبع الجزئيات فإنه سوف يحصل على دراسة ضخمة في هذا المجال . و نجد أمثلة لتلك السرقات في فلسفات و كلمات ( رينيه ديكارت )  و ( فيلهلم غوتفريد لايبنتز )  , و ( فرنسيس بيكون )   , و غيرهم من الكتاب و الفلاسفة .
فمثلاً ينسب اكتشاف ( الجاذبية ) ( Attraction ) إلى العالم الأوربي ( إسحاق نيوتن )  مع أن العلماء المسلمين قد سبقوه إلى هذا الاكتشاف بـ( 7 ) قرون , فتحدث الكثير من العلماء المسلمين عنها أمثال ( أبن سينا  , و أبن خرد ذابه  , و الأدريسي  , و البيروني  , و الخازني  ) فقد عرف العلماء المسلمون و منذ القرن التاسع للميلاد قوة التثاقل الناشئة عن جذب الأرض للأجسام و أطلقوا عليها ( القوة الطبيعية ) , فقد أدرك هؤلاء العلماء بأن ( قوة التثاقل ) ( Gravitational Force ) , أو ( القوة الطبيعية ) ( Natural Force ) تتعاظم كلما كبر الجسم .
كما و أن كروية الأرض المنسوب للعالم ( كوبرنيكوس  ) كان للعلماء العرب السبق فيه , فقد سبقوا ( كوبرنيكوس ) بهذا الاكتشاف , و هذا ما أشار إليه ( المسعودي  , و أبن رسته  ) .
كما و قد أكتشف العالم المسلم ( أبن النفيس  ) الدورة الدموية الصغرى التي ينسب فضل اكتشافها إلى الطبيب ( ميخائيل سرفيتوس  ) , حتى جاء الدكتور ( الطهطاوي  ) الذي قدم أطروحته لكلية الطب في جامعة فرايبورغ , و أثبت فيها أن العالم العربي ( أبن النفيس ) هو المكتشف الأول للدورة الدموية الصغرى لا ( سرفيتوس ) .
كما و قد أكتشف ( الأدريسي )  منابع نهر النيل التي بقيت قروناً عديدة مجهولة لدى العلماء الأوربيين حتى أكتشفها ( سبيك و غرانت ) و نسب ذلك الاكتشاف لهما , مع أن صور ذلك الاكتشاف موجودة في خارطة الأدريسي المحفوظة في متحف ( سان مارتين ) في فرنسا ضمن كتابه ( نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ) .
كما و أن ( الكندي  ) هو أول من أثبت أن سطوح الماء كروية كسطوح اليابسة , و التي نسبت إلى ( والاس  ) .
و كذلك فإن ( جابر بن حيان الكوفي )  يعد رائد البحث العلمي التجريبي , و الذي أخضع جميع بحوثه للتجربة التي يسميها ( التدريب ) ( Training ) , أما أوربا فقد نسبت فضل ذلك للعالم الأوربي ( فرنسيس بيكون ) .
فيقول ( جورج سارتون ) : ( يدين نمو و ازدهار الفكر التجريبي حتى أواخر القرن الثاني عشر لجهود المسلمين ... )  .
أما بالعودة إلى دور الترجمة في أستلاب الحضارة العربية الإسلامية فلقد كان لمدينة طليطلة دور الصدارة في عملية نقل العلوم العربية , و اليونانية إلى اللغة اللاتينية , و من بعدها تأتي مناطق أخرى أمثال برشلونة , و شقوبية في إسبانيا , و بيزيه , و تولوز في فرنسا .
و قد كان الهدف من تعلم اللغة العربية كما يصرح ( فرانز روزنتال )  إنه (( و بتعلم اللغة العربية باعتبارها لغة العلوم و الفلسفة و الفكر آنذاك , و بالاطلاع على القرآن و ترجمته إلى اللاتينية بهدف وحيد هو الوصول إلى فهم عميق للتفكير الديني الكلامي عند المسلمين , أملاً في أن يصبح الرهبان أقدر على التعرف على هذا التفكير , و استغلال ما كانوا يتصورون أنه مواطن الضعف فيه ))  .
لذا فقد راجت حركة الاستعراب ـ أي تعلم اللغة العربية ـ و هي بالتالي أقدم من حركة الاستشراق , و إن أوربا كانت حريصة كل الحرص على تعلم اللغة العربية و ذلك لأهداف عديدة و ذات أولويات لديها , منها الانبهار بالحضارة العربية , و منها التعرف على أصحاب الحضارة التي غزت نصف العالم , و منها لمواكبة التطور و مجاراته , و منها لإيجاد مواطن الضعف في هذه الحضارة و استغلالها من أجل تدميرها , و منها للتعرف على العدو في ساحة السلم لمواجهته عند الحرب , و أسباب أخرى كثيرة لعل ما ذكرنا هو من أهمها , نعم تحولت حالة الانبهار إلى حالة استلاب فيما بعد , و من ثم إلى حالة تغريب و احتلال و تسلط .
و من الجدير معرفته (( إن حركة الترجمة من العربية إلى اللاتينية و غيرها من الأنشطة الثقافية و العلمية كالاقتباس , و النقل , و الاستنباط,  و الاستيحاء من قبل المستعربين , و الأوربيين و إن كانت لأغراض عقائدية ... إلا أنها لم تتحول إلى حالة ثقافة شاملة إلا في القرن التاسع الميلادي , بعد أن خبر النصارى الإسبان عمق الثقافة الإسلامية و تعرفوا عليها ... ))  .
إن الأيديولوجيا الأوربية مارست أبشع وسائل المصادرة العلمية للنظريات الإسلامية في المجال الإنساني , و الحضاري , و العلمي , و انتحلت ما رأته مناسباً لها , و أبرزتها على أنها من أساسيات الفكر الأوربي , و ما عصر النهضة إلا العصر الذي امتلاء فيه بطن أوربا بعطاءات الحضارة الإسلامية (( بهذه المرحلة دخلت أوربا عصر النهضة و خرجت من العصر الوسيط المتخلف حيث تم فيما بعد تعميم الدراسات الشرقية و الإسلامية و التحكم في علومها بتوظيفها في بناء الحضارة الأوربية ))  .
و من ثم جاءت مرحلة تغريب افرازات الحضارة العربية المستلبة , و بعدها جاءت مرحلة استعمار الشرق و تطبيعه على الحضارة المُغربة .



 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=63271
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 06 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15