جيوش الليل تهدِم خيام الشّفق...
والسَّمر يُعبّئ زجاجات السُّهاد.....
وجموح غوايةٍ تسبح في عيون النجم..
تقود نكبة شجنٍ تجتاح أفئدة التوق الرَّهيفة...
و...خمرغزلٍ ينسكب من حنجرةٍ رخيمةٍ مزدحمة الأشواق ،تُذيع سرّ الهوى في بقاعٍ من حنين.. وتتوعد القانتين في ليلها بالموت شنقاً بوصلات لحنٍ شرقيّة.
و..أنا..!
وكوكبها المتّقد بلا ضياء، وجبين ذكرى يتفصّد مجهدا..وعذارى سُمّ تدسّ الموت في الأوصال، وقطع من الليل الأسود تحطّ على أكتافنا بحكايا زمان،وبقصيدٍ كمراثي القتيل وقت شيوع الخبر...كلّنا..!
كلّنا لمدقعِ صبرٍ في مراثيها نرنو، وفي رؤاها نستَقصي بعضُ خبر.
مرهقة أنا..!
ومدّ الحنين لا جَزر له..
قد أعياني لملمة أوصالي من منثور ليلتها
فثمّة شوق في صوتها كحزن الناي يبكيني..
وثمّة موّال في اللحن يهجوني...
وقاضي الغرام المصلوب في أوتارها يبُثّني "حَسيبك للزمن" ، يُذكَرني بقضايا وحِساب.. ومارد الماضي يُهدّد بالظهور، يُزجي بي نحو قمقمه المظلم..يشاغبني بعطرٍ ممزوج بطلاسمٍ وبخور .
و..الليل محض اشتعال..
و سيدة الوجع ما انفكّت تنوح بقصص الوجد مبتورة الإخلاص..وتغني لعذارى الحبّ مواويل العتاب.. ، وتُحيي فتاوى الظلم والهجران والعِقاب ، فكانت "حسيبك للزمن" فتنة وشهقة ونار.
و..أبقى!
ومن على بعد رجاءٍ ودعوتين..أبقى ..!
أبقى المتبوّئة دار الإعتكاف ما بين مشرق المَضيّ ومغرب الرجوع ..أسعى ما بين نكوصٍ وحنين..وهجعة في الخاطر تطلبني السكون...فلله!
لله كم هو قدّيس هذا الليل، ملائكيّ العفاف..يراودني عن صحوةٍ واستفاقة ، يطلبني دعوة ومشكاة نور وبعض يقين..حيث في ليلها لا ظلّ ولا ظليل إلاّ دعوة بحُسن انقضاءٍ وإشراقة صباحٍ..فكم!
كم أتوق لسِنَة تَقيني شر مذاق الفتنة الممزوج في كأس لحنها الآسر ..وكم أتمنى رجفة ضوءٍ سَمحاء تعكس بصر الليل بعيدا عني في مرآة الفراغ..
فمن..!
من دلّكِ يا كلثوم على وجعي...ومن نصّبكِ قاضيا على خافقي الحرير...
ومن جعلني لصوتكِ بعد النشور صيدا سَمين...؟!
و.. من يا شيطان الحِساب سيُرقِني في ليلتي من وسواسكَ ودعوى الإنتقام؟
فاستقِم رجوتكَ يا قلبي..
وتبرّأ من جرم الحنين وناعم الحديث ورقيق الشجن ، ومزّق رواية السَّراب..وكفّ عن تعاطي نشوة حبٍ ما كان يوما سوى محض عذاب.
فــ لطفاً سيدة الحِساب...!
لا تستدعي نبضاتي التي هاجرت يوما اليه...ولا تفرشي بساط الوداد كي أطير اليه..دعيني..وبلا عِتاب بلا تحريضٍ أو شجن...
فلقد اعتزلت الندم..وتبّرّأتُ من رغبة العقاب..
واعتكفتُ في محراب الصابرين ؛
وأفَضتُ لليلة قيامٍ مختومة بركعة شكرٍ وسجدتين.
فاشهدي يا سيدة الوداد أني قد أسلّمت لله حزني ، وتركت الحساب للزمن وأني قد عَفوتُ عند مقدرتي عليه...
فارتقبي..ولترقبون:
لمن الغلبة اليوم...؟!
لمن الغلبة اليوم يا كلثوم؟! |