هل كان إنتخاب مصطفى البارزاني لرئاسة الحزب أبدية ، أو لأجل التوريث ، أو لحصر الرئاسة والحكم في عشيرة واحدة ، ومن ثَمَّ في عائلة واحدة ...؟!
بالتأكيد لم يكن يدور في خَلَد ِالمنتخبين ، بخاصة النخبة المثقفة منهم أن تكون رئاسة مصطفى البارزاني للحزب الديمقراطي الكردستاني أبدية أو توريثية ، أو أن تنحصر الرئاسة والحكم في عشيرة واحدة ، وفي عائلة واحدة فقط ، لأنهم كانوا يعلمون جيدا أن كل ذلك يتناقض مع قيم الديمقراطية الواضحة والصريحة في قضايا الحكم والحكومة والرئاسة ...
لهذا السبب فإنهم جعلوا إسم الحزب : [ الحزب الديمقراطي ] ، أي إن الحزب يناضل ويعمل وفق المفاهيم والقواعد الديمقراطية . وذلك تجنبا في الوقوع في دائرة الإستبداد والحكم الفردي والسلطوي ، أو القبلي - العشائري ، فالديمقراطية تضع الحاكم في موقعه الصحيح وتعطيه كذلك حقه وصلاحياته المشروعة المقنَّنة كرئيس ، وذلك بشرط أن لاتُفضي الى إستبداد وفردية ، أو حكم مطلق ، بخاصة في القضايا الحيوية والمصيرية التي ترتبط بمصائر الأمة والبلاد ، ولا بمعنى إنه فوق القانون والمساءلة والنقد والإعتراض أيضا ، فالرئيس في النظام الديمقراطي لايعتقد : [ بأنه أحسن وأشرف وأفضل من بقيَّة المواطنين ، بل يعتقد بأنه يقف على صعيد واحد معهم . ذلك أن مهامه مُكمِّلة لمهامهم ، وإن مهامه ووجباته ليست أفضل من مهامهم ووجباتهم ] ينظر كتاب [ موسوعة علم الإجتماع ] لمؤلفه الأستاذ الدكتور إحسان محمد الحسن ، ص 284 ، 285 . مضافا فإن الرئيس الديمقراطي يطلب : [ من الأتباع وأبناء الشعب الذين يحكمهم إبداء الآراء وتوجيه النصائح والإرشادات التي تساعد في إتخاذ القرار الصائب الذي يخدم مصالح وطموحات الجماهير ] ينظر نفس المصدر والمؤلف ، ص 284 .
عليه فقد كان تأسيس الحزبين الكردستانيين في كردستان ايران ، وفي كردستان العراق أيضا في أواسط الأربعينيات من القرن الماضي إبداعا تاريخيا وهاما ونقلة كبيرة في النضال القومي والوطني الكردي من قِبَلِ النخبة المثقفة الكردية يومئذ ! .
إذن ، لقد كان إنتخاب مصطفى البارزاني لرئاسة الحزب الديمقراطي الكردستاني بسبب الظروف الإستثنائية للكرد وكردستان ، وتم كذلك وفق شروط ومواصفات معينة بحسب المباديء الديمقراطية في الحكم ، لكن مع ذلك فقد برز بعض الحالات في نمط الحكم والإدارة ، في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ، حيث أدى ذلك الى نشوء خلافات قوية بين بعض من قيادات الحزب : بعض الخلاف كان فكريا ، وبعضه كان على أسلوب القيادة والحكم وطريقته في معالجة القضايا . بالنهاية أدى ذلك الى إنشقاق ، أو إنعزال بعض المؤسسين للحزب الديمقراطي الكردستاني منه وتركه نهائيا ، أو بعض من قياداته ، مثل ميرحاج عقراوي وإبراهيم أحمد وحمزة عبدالله وجلال الطالباني ، أو كما حدث عام [ 1974 ] ، حيث آنشق القيادي والجنرال العسكري المعروف عزيز عقراوي صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني ، وفي عام [ 1975 ] صالح اليوسفي أيضا أحد المؤسسين للحزب . وفي عام [ 1976 ] أسس الأخيران حزبا كرديا جديدا بإسم : [ الحزب الإشتراكي الكردستاني ] . وبسبب ذلك أيضا إنشق القيادي المعروف في الحزب الديمقراطي الكردستاني سامي عبدالرحمن عام [ 1980 ] وأسس حزبا كرديا بإسم : [ حزب الشعب الديمقراطي الكردستاني ] ، وبعدها أصدر كتابا حول الحركة الكردية تحت عنوان : [ البديل الثوري للحركة التحررية الكردية ] . في هذا الكتاب إنتقد سامي عبدالرحمن طريقة الإدارة والحكم في الحزب الديمقراطي الكردستاني من قبل العائلة البارزانية ووصفها بأنها أصبحت : [ مؤسسة مستقلة ] لوحدها داخل الحزب ، بحيث أصبحت هذه المؤسسة العائلية هي التي تحكم وتدير الحزب وقضاياه من جميع النواحي ..!!
في صيف عام [ 1984 ] إلتقيت بسامي عبدالرحمن في مكتب حزبه وقتها : حزب الشعب الديمقراطي الكردستاني ، في مدينة أروميه ، في كردستان ايران فتحدثنا نحو ساعتين عن الأوضاع السياسية في إقليم كردستان والعراق وايران وغيره ، ثم أخذ الحديث بنا الى حزب البارزاني وتاريخه ، فقال سامي عبدالرحمن : [ بسبب عدم ديمقراطية هذا الحزب والعشائرية والعائلية الحاكمة فيه تركته ] ، ثم سألني : [ هل قرأت كتاب < البديل الثوري للحركة التحررية الكردية > الذي أصدرناه ونشرناه ] ، قلت : نعم ، لقد قرأته ، فقال لي : [ مارأيك به ؟ ] ، فقلت : الكتاب جيد وقيم في بعض محاوره ، ولي نقد وملاحظات على البعض الآخر . ثم أضفتُ له : إن القول الوارد في كتاب [ البديل الثوري ] بعنوان آية قرآنية ، وهو : [ لعن الله قوما ضاع الحق بينهم ] هو ليس آية ، بل هو حديث نبوي ، فقال : [ صدقتَ ، لقد قلتُ للإخوة بتصحيح ذلك ، لكن حينما وصلهم كلامي كان الكتاب قد طُبِعَ ] ! . برأيي ان سامي عبدالرحمن لم يكن يعلم بأن القول المذكور هو حديث نبوي وليس آية قرآنية ، لكنه تفاجأ مما قلته له وآستحى الإعتراف بالخطإ المذكور ، وذلك لأن كتاب [ البديل الثوري ] كان من تأليفه هو شخصيا ...!
في عام [ 2003 ] إلتحق سامي عبدالرحمن مرة أخرى بحزب البارزاني مرة أخرى وآنحلَّ حزبه بشكل كامل ، ثم أصبح بعدها معاونا لرئيس وزراء حكومة إقليم كردستان التي كان يترأسها في ذلك الوقت واليوم نيجيرفان البارزاني . في عام [ 2004 ] ، وفي صبيحة يوم عيد الأضحى المبارك تعرَّض مقر حزب الديمقراطي الكردستاني الى هجوم إنتحاري غادر وغاشم من قبل أحد أعضاء تنظيم القاعدة الإرهابي في العاصمة أربيل فآستشهد على أثرها سامي عبدالرحمن والعشرات من المسؤولين والمواطنين الكرد ، فرحم الله تعالى الجميع ...
هل كان للنخبة المثقفة الكردية وقتها تقصير فيما يخص القيادة والرئاسة والسياسة والإنتخابات الرئاسية وغيرها في الحزب الديمقراطي الكردستاني ، وبخاصة في فترة المنفى للمرحوم مصطفى البارزاني في الإتحاد السوفيتي سابقا ، حيث لجأ اليه مع نحو [ 500 ] شخص بعد إنهيار جمهورية مهاباد الكردية وإعدام رئيسها القاضي محمد في عام [ 1947 ] من القرن المنصرم ، وكان بينهم أحد مؤسسي الحزب أيضا ، وهو ميرحاج أحمد عقراوي ...!؟
سنحاول التطرق الى هذه النقطة وغيرها في الجزء القادم من هذا البحث بعونه تعالى ... |