بسم الله الرحمن الرحيم
وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ{146}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد :
1- ( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ) : حكم شرعي خاص باليهود :
أ) ( كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ) : ما له اصبع او مخلب من الدواب والطيور .
ب) ( شُحُومَهُمَا ) : شحم الكلى والمعدة .
ت) ( مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا ) : أي ما اشتملت عليه الظهور مع اللحم الذي تحمله .
ث) ( الْحَوَايَا ) : ما اشتملت عليه الامعاء .
ج) ( مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ) : كشحم الالية المختلطة بالعصعص .
( مصحف الخيرة / علي عاشور العاملي ) .
2- ( ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ ) : سبب هذا الحكم .
3- ( وِإِنَّا لَصَادِقُونَ ) : في اخبارنا .
فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ{147}
نستقرأ الاية الكريمة في موردين :
1- ( فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ) : حيث لم يعجل العقاب .
2- ( وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ) : لا يمكن لاحد ان يرد عذابه ان جاء عن القوم المجرمين .
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ{148}
نتأمل الاية الكريمة في عدة مواقف :
1- ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ) : للمشركين اساليب كثيرة يتسترون بها للدفاع عن اصنامهم واوثانهم وما يعبدون , ومنها هذه الشبهة , لو شاء الله تعالى ما اشركنا , لا نحن ولا آباؤنا , ولا نحرم شيئا من دونه , طالما وان كل ذلك بمشيئته جل وعلا , فهو عنا راض ! .
2- ( كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم ) : يرد عليهم النص المبارك , ان الذين من قبلهم كذبوا برسلهم وما جاؤوا به من عند الله تعالى .
3- ( حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا ) : حتى وقع عليهم العذاب .
4- ( قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ) : قل لهم ايه الرسول (ص واله) هل لديكم علم ( حجة ) على ما تقولون ؟ , فأن كان لكم علم , فأظهروه ! .
5- ( إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ ) : يجيبهم النص المبارك , انكم تتبعون الظن , بالتأكيد ان من يتبع الظن , من غير سابق علم او حجة , لا يكون الا كاذبا ( وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ ) .
قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ{149}
بعد ان ابطلت الاية الكريمة السابقة حجة المشركين , جاءت الاية الكريمة لتثبت ان لله تعالى الحجة البالغة ( الدليل الواضح القوي ) , فلو شاء جل وعلا لوفقكم الى سبل الهداية .
قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَـذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ{150}
تخاطب الاية الكريمة الرسول الكريم ( ص واله) , وفيها :
1- ( قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَـذَا ) : قل للمشركين " احضروا شهدائكم الذين يشهدون ان الله تعالى قد حرم هذا ( ما حرمتموه ) " .
2- ( فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ ) : شهادة النبي الكريم محمد (ص واله) وقوله وفعله بمثابة المصادقة او التصديق .
3- ( وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء ) : ظنونهم وما تميل اليه انفسهم :
أ) ( الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ) : كذبوا بما جاء به الرسول الكريم (ص واله) من المعاجز والحجج البالغة .
ب) ( وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ) : لا يؤمنون ولا يصدقون بالحياة الاخرة , وما فيها من الثواب والعقاب .
ت) ( وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) : يساوون الله تعالى بغيره .
قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{151}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد :
1- ( قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ) :
أ) ( أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً ) : العبودية لله جل وعلا , وعدم مساواته جل وعلا بغيره .
ب) ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) : بر الوالدين .
ت) ( وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) : بسبب الفقر , وكذلك وأد البنات .
ث) ( وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) : الفواحش كافة المعاصي ومنها الزنا وغيره , فينهى النص المبارك عن الاقتراب منها سواء كانت ظاهرة علنا , او مخفية سرا , ويلاحظ ان النص المبارك ينهي عن مجرد الاقتراب منها .
ج) ( وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ) : ينهي النص المبارك عن قتل النفس بغير وجه حق .
2- ( ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ ) : وصية منه جل وعلا .
3- ( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) : لعلكم تدبرونها , وتتفهمون اوامره وناهيه عز وجل .
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{152}
الاية الكريمة مكملة لسابقته الكريمة , ونستقرأها في عدة محاور :
1- ( وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) : نهي عن تضييع مال اليتيم , وصرفه في موارد عبثية , اما صرف مال اليتيم بما فيه صلاحه واستثماره فهو الافضل .
2- ( وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ) : اتموا الكيل والميزان بالعدل دون بخس .
3- ( لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) : لا يكلف الله تعالى نفسا فوق طاقتها .
4- ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) : ( وإذا قلتم فتحرَّوا في قولكم العدل دون ميل عن الحق في خبر أو شهادة أو حكم أو شفاعة, ولو كان الذي تعلق به القول ذا قرابة منكم, فلا تميلوا معه بغير حق ) .
5- ( وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ) : واوفوا بما عهد الله اليكم من شرائع واحكام .
6- ( ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ ) : تقدم في سابقتها الكريمة .
7- ( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) : لعلكم تتذكرون ما ستؤول اليه عواقب اموركم , ثم لاحظ ختام الاية الكريمة السابقة ( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) , وتمعن النظر في الربط بينهما ! .
وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{153}
نستقرأ الاية الكريمة في اربعة مضامين :
1- ( وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً ) : الطريق الى الله تعالى واحد , يصفه الباري عز وجل بأنه ( مُسْتَقِيماً ) , لا اعوجاج فيه ولا ميلان .
2- ( وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ) : ينهي النص المبارك عن اتباع طرق الكفر والشبهات , وهي كثيرة , فأوردها مورد الجمع , جميعها وبدون استثناء تخرج الانسان عن الصراط المستقيم ! .
3- ( ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ ) : يلحق ويرتبط بمضامين الايات الكريمة السابقة .
4- ( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) : لعلكم تتقون عذابه بالالتزام بأوامره جل ثناؤه , وايضا لابد من الاشارة الى الربط بين النص المبارك وختام الايات الكريمة السابقة ( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) , ( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) , تعقل + تذكر = تقوى , فلاحظ وتأمل ! .
|