بعد أن أقدمت أمريكا على ضرب اليابان بقنبلتين ذريتين بدائيتي الصنع، استهدفت أحدهما مدينة هيروشيما والأخرى ناكازاكي، لأجل اجباره على الخضوع لشروطها المجحفة، ومن الإنتصار الذي كان وشيك التحقيق من القوات اليابانية على القوات الامريكية، تحول الوضع إلى استسلام كامل أعقبه تحكم أمريكي في السياسة الخارجية اليابانية، قلب موازينها من عدو إلى تابع وحليف استراتيجي.
ومنذ ذلك الزمن بدأ سباق دولي من أجل انتاج اسلحة نووية، الغرض منه السيطرة والهيمنة عند دول الغرب الاستعماري، والدفاع عن الأوطان بالنسبة للصين والاتحاد السوفييتي سابقا، وهو سباق دخل مضماره دول غربية وشرقية على حد سواء، أما الدول الغربية فهي ذات طابع استعماري، لا يقيم للقيم الإنسانية وزنا، ولا تهمهم سوى مصالحهم، وصناعة القنابل الذرية أساسها الأول، إرعاب الدول واخافة الشعوب، وأساسها الثاني استعمال تلك الأسلحة المدمرة ضد أي بلد يستعصي على القوى الغربية اخضاعه إلى سياساتهم الاستعمارية .
هذا ولم تدخل الصين مثلا غمار هذا التسابق، إلا من أجل حماية شعبها، من أي عدوان نووي محتمل الوقوع من أعدائها، والمحافظة على انجازات ثورته الشيوعية من تحرشات أمريكا وحلفها، وتمكنها من صناعة قنبلتها الذرية، جعلها في مأمن من أي عدوان محتمل وكان متوقعا كالذي حصل لليابان، كذلك الامر بالنسبة للإتحاد السوفييتي وهو المستهدف أولا، خلال ما عرف بالحرب الباردة، فقد دخل سباق التسلح، بعد أن قاسم أمريدكا تركة هتلر من العلماء الألمان، وتذكرنا قسمة ميراث النازية، أن العلماء يبقون الهدف والصيد الثمين الذي يبحث عنه الأعداء، عند كل مواجهة، والدليل عمليات الإغتيال الجبانة لعلماء الذرة الإيرانيين، والتي كشفت مدى خساسة ووضاعة أعداء إيران، سواء كانوا يهود صهاينة أم غريبين متصهينين، اجتمعوا على إيذاء ايران وعرقلة مشاريعها العلمية خصوصا البرامج النووية السلمية التي يشرف عليها ويطورها نوابغ أبنائها من ذوي الكفاءات العلمية العالية.
لقد كشفت أمريكا عن وجه قبيح وحشي، لا تقيم وزنا ولا تعطي ادنى اعتبار لأي قيمة انسانية فما يهمها فقط هو السيطرة والهيمنة على دول العالم وابتزازهم بمنتهى الوقاحة كما يحصل في دويلات الخليج التي تقدم ما لديها وزيادة طوعا عرابين تبعية ذليلة، على حساب دينهم وشرف ذممهم، وقد صرح الإمام الخامنئي أخيرا أن أمريكا لا عهد لها، وهي إن خضعت لها دولة لا تكتفي بذلك، بل تطلب منها المزيد، إلى درجة الإذلال والإستعباد والتحكم في مصيرها بأكمله.

ذلك زمن أمريكا، عندما كانت مسيطرة بعنجهيتها، تتحكم في الشرق والغرب، ولا يصدها عن غيها صاد مهما بلغت قوته، بدأ نجمها في الأفول في هذا القرن، مع ظهور قوى أخرى أعلنت رفضها لهيمنتها، وخرجت بقوة وادإرادة عن طوعها، غير مقيمة وزنا لتهديداتها، من بين هذه الدول المتمردة على الهيمنة الأمريكية ظهرت ايران اكثر راديكالية من غيرها، فقد سمح قائد ثورتها الامام الخميني للطلبة باقتحام مقر سيارتها بطهران واحتجاز مافيه من وثائق استخبارية هامة واخذ موظفيها 66 رهائن لمدة سنة وبضعة اشهر، ومنذ انتصار الثورة الاسلامية واقتحام مقر السفارة الذي كان مركز جاسوسية في حقيقته، بعد الوثائق العديدة التي ظفر بها الطلبة الايرانيين الثوريين اهتزت العلاقات بين إيران وامريكا، بل انقلبت من النقيض الى النقيض، ومن العمالة التي كان الشاه يسوق فيها بلاده، لتكون مرتع عبث واستغلال أمريكي، الى القطع مع ذلك كله، بثورة إسلامية حقيقية، فاجأت أمريكا نفسها والعالم باسره، قادها فقيه عارف بصير بما يجب عليه فعله تجاه الاستكبار، ومنذ 1979، بدأت صفحة جديدة بين إيران وأمريكا تعنونت بالعداء والكراهية لدولة لا تقيم وزنا لحقوق الشعوب.
القيادة الإيرانية مدركة ما يجب عليها فعله، من أجل الحفاظ على مصالح شعبها، وهي لن تتوانى في تثبيت حقوقها بأي طريق كان، دبلوماسيا أو عسكريا، ولن يخيفها شيء من تهديدات عادة ما تطلقها أمريكا على من تعتبرهم أعداءها، وليست العلاقة مع أمريكا بالأهمية التي تراها إيران ضرورية، بعد الذي جد من أعمال عدوانية صدرت منها، استهدفت إيران أرضا وشعبا ومصالح، بلغت مستويات مختلفة من الخطورة من الدعاية والتشويه الى التحريض، والحرب بالوكالة كما كان شأن حرب الثماني سنوات، كان صدام شنها على إيران، ممولة كلها من دول الخليج بأوامر أمريكية، ردا على الإهانة التي تلقاها من احتلال سفارتها، وما خلفته تلك الحرب الظالمة، من خسائر بشرية ومادية، ليصل الأمر الى شن عدوان جوي، استهدف مراكز علمية نووية في ثلاث مواقع داخل إيران، مما يثبت طبيعة التوحش الأمريكي، وضربها عرض الحائط بالقوانين الدولية مؤكدة مجددا بقاءها على نفس السياسات الظالمة لم تتغير في شيء منها .
قائد مسيرة إيران السيد الخامنئي صرح بمناسبة الذكرى 45 التي مرت على اقتحام مقر السفارة الأمريكية، من طرف ابناء إيران من الطلبة الثوريين، أن إيران لن تفاوض الأمريكيين، طالما أن سياساتهم باقية على نفس عقلية الاستكبار والعدوانية، واضعا ثلاث شروط حتى توافق إيران على مفاوضتها، وهي تخلّي أمريكا تمامًا عن دعم الكيان الصهيوني، وسحب قواعدها العسكرية من المنطقة، وكفّها عن التدخّل في شؤون البلاد، عندئذ يمكن بحث هذا الأمر، هذه المسألة ليست مطروحة الآن، ولا في المستقبل القريب، بل في وقت لاحق. وبعنى آخر يؤكد السيد الخامنئي أن لا مفاوضات تحت سقف أمريكا
وأضاف السيد الخامنئي في سلسلة تدوينات عبر حسابه الرسمي في منصة إكس، تويتر سابقًا، وأوردتها وكالات أنباء إيرانية رسمية: "يتساءل بعض الأشخاص: هل لن تكون لنا علاقات مع أمريكا إلى الأبد؟ إن الطبيعة الاستكبارية لأمريكا لا تقبل شيئاً آخر سوى الاستسلام. هذا ما أفصح عنه الرئيس الأمريكي الحالي (دونالد ترامب)، وفضح به باطن أمريكا. وما معنى أن يستسلم شعبٌ مثل إيران؟ وتحدث الامام الخامنئي عن حادث اقتحام السفارة الأمريكية في طهران، وكتب يقول: كانت السيطرة على السفارة الأمريكية في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1979 كشفًا لمؤامرة وخطرٍ كبير يهدّدان الثورة الإسلاميّة، وقد نفّذ الطلاب - جزاهم الله خيراً - هذا العمل، إذْ تمكنوا من جمع الوثائق، ومعرفة ما كان يُحاك داخل السفارة من أعمال عدوانية خطيرة.
هذه ايران في حقيقة سياستها وواضح اهدافها المشروعة، ووتلك أمريكا في عتوها واستكبارها، عنجهية وتناول واستخفاف بالشعوب، ولن ترضى ايران بان تكون رعية من رعايا أمريكا، مسلوبة الارادة مستباحة كما كانت من قبل في عهد الشاه، هذا زمن عزة إيران، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ومن لا يخشى غير الله، بالتاكيد سيجعل الله له مسيرة رعب لمن عاداه ولو كانت أمريكا وأحلافها قليلي الهمة والكرامة.