ما يجري في السودان هل هو العقاب المعجّل؟

من منّا لا يتذكر ما ارتكبه التحالف العربي في عدوانه الوحشي على أحرار اليمن، وهل يمكن أن يًنْسى منصف مهتمّ بالشأن اليمني ذلك التواطؤ الاجرامي المتعمّد، وقد تأسس على الإضرار بخيار شعب عربي أصيل، رفض أن يستمر في الخنوع والخضوع لمنهج سياسي متعارض مع أصالته وطموحاته، أقل ما يقال فيه أنّه مشبوه، وأنّ من سلكه لن يعرف الحرية والعزة والكرامة، طالما بقي منخرطا فيه، ترهقه ذلّة العميل الخاسر، وتلاحقه تبعة الشريك العاثر، وتغشاه لعنة أحرار الأمّة كلّما جدّ ذكره.

لقد كان الإرث الذي خلفه عمر البشير ثقيلا بمخلّفاته، فهو رأس المصيبة التي بدأت نتائجها الكارثية تحلّ بالسودان، ومن يتحمل تبعة سياسة عمالة رخيصة المقابل، سيئة الذكر لدول الخليج، وهو الذي فتح مجال الزج بالسودانيين في أتون حرب عدوانية، شنتها تلك الدول بالوكالة عن أمريكا وحلفائها الغربيين، مقابل مبالغ مالية كبيرة مليارات الدولارات، ضختها في حساباته دول التحالف، ومع هوان العنصر السوداني في نظره ونظر كل من استلم السلطة بعده، وجعله وقود تلك الحرب العدوانية، فقد زُجّ بهم في معارك ضارية على الأراضي اليمنية، سقط فيها مئات منه، لعل أغلبهم بقي في مكان مقتله، نهشة الكواسر والذئبان، دلالة على هوان المرتزق عند مشغّليه، وفي اعتقاد أهاليهم في السودان أنهم شهداء دفنوا في بقيع الغرقد.

ومنذ إعلان السودان على لسان رئيسه عمر البشير، انضمامه إلى جانب عاصفة الحزم العدوانية سنة 2015، بدا البلد المترامي الأطراف المعدود ثالثا  من حيث مساحته في ترتيب الدول العربية وقدرها 1.878.000 كلم2 من أخصب الأراضي باعتبار النيل الذي يشق أراضيها من الجنوب الى الشمال في اتجاه مصر، مطمع دول الخليج وخصوصا الامارات والسعودية، وبابا منفتحا على مصراعيه لاستثماره اقتصاديا وبشريا، أما اقتصاديا فقد استغل في مجال الفلاحة، بعدما استثمرات الإمارات مئات آلاف الهكتارات من الأراضي الخصبة المتاخمة للنيل، لجني ومحاصيلها، وعملت في نفس الوقت على هيكلة ودعم وتدريب قوات الجنجاويد المعروفة بالدعم السريع، وتحويل ولائها وقيادتها اليها لتزداد سيطرتها على الموارد السودانية الأخرى مثل الذهب والنحاس واليورانيوم.

وبنظرة سريعة، يمكننا أن نفهم التقسيم العسكري للقوات السودانية، وهي على تصنيفين هما:

الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد دحمان دقلو شهر حمديتي وهي مؤلفة في أساسها من الجنجاويد، كان الرجلان على وفاق تام بينهما، ولكنه بتدخل الإمارات في الشأنين اليمني والسوداني، وقع خلاف بينهما وتفاقم، ووصل إلى اندلاع مواجهات عسكرية بينهما بمختلف الأسلحة، وتضرر منها المدنيون السودانيون بدرجة أولى، خصوصا في إقليم دارفور المتنازع عليه، وتسعى دول  الغرب الى فصله عن مساحة السودان كما وقع فصل جنوب السودان بعد حرب طويلة انتهت بقيام جمهورية جنوب السودان، كلا القائدين العسكريين متورطان في العدوان على اليمن وقد سُجّل على قوات الدعم السريع ارتكاب مجازر فظيعة هناك، تجاوزت حدود العقل وتجاوزت انتهاكات انسان العصور الجاهلية الأولى، ولا غرابة فيمن يعيش هذا الزمن جاهلية العصر الحديث، أن يشهد جرائم ذلك العصر ليرى فظاعتها بعينيه.

وبعد الانقلاب على عمر البشير، استلم البرهان السلطة، وجاءت الإمارات بحمديتي الذي قاد قوات الدعم السريع المؤسسة والمدربة من طرفها، وجدير بالذكر أنّ الجنجويد تعتبرُ مليشيا مسلحة، ظهرت في إقليم دارفور بالسودان، ويشتق اسمها من كلمة "جواد" وتعني "حصان"، وقد ارتبطت بالسطو المسلح ضد القبائل الأفريقية المستقرة هناك، تشكلت هذه المليشيا كجزء من الصراع في دارفور في بداية الألفية الثالثة، يربط البعض نشأتها بالحرب الأهلية التشادية، حيث جند كل من إدريس دبي وحسين حبري مليشيات من القبائل العربية شرق تشاد، تعتبر قوات الدعم السريع، التي تشكلت عام 2013 بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، امتدادًا لمليشيات الجنجويد. 

 

و"الدعم السريع" بمعنى آخر، يبدو أنّه الأقرب إلى واقع تأسيسها، هي ميليشيا قبلية عربية أسسها الرئيس السوداني السابق عمرالبشير، لمجابهة الحركات الأفريقية المتمردة في دارفور، قبل أن يصنع منها إمبراطورية عسكرية موازية للجيش السوداني، تحولت إلى قوة نظامية بعد إجازة قانون خاص بها في البرلمان السوداني في كانون الثاني/ يناير 2017 .

ونظرا للحوافز المالية الضخمة التي كانت الامارات تضخّها، ترغيبا لانضمام الشباب السوداني إليها، فقد أغرى ذلك بعض قيادات القبائل في شرق السودان، على حثّهم للتطوّع في صفوف الدعم السريع، على أساس أنه يوفر رواتب مجزية جداً لمجنديه، وفي 2017 طلبت الإمارات من حليفها "حميدتي" تجنيد عناصر عربية من قواته، يتميزون بسحنات تطابق إلى حد ما السحنة الإماراتية، ولبى حمديتي الطلب وأُنجزت المهمة، وارتدى هؤلاء زي الجيش الإماراتي وهم يقاتلون في اليمن.

وبما أن الظلم لا يثمر حقا ولا يفرض استقرارا ولا ينتج سلما فإن من تورّط في أي مقدار منه ولو بصمت الرضا به سيناله منه جزاء وتلحقه تبعة لا يمكنه ردّها، ذلك أن الله الذي حرم على نفسه الظلم، لا يمكن أن يقبل به ويرضاه من عباده، فكل الذين شاركوا في العدوان على اليمن وهم السعودية، الإمارات العربية، البحرين، الكويت، قطر، الامارات، مصر، الأردن، المغرب، السودان، باكستان، سيدفعون الثمن غاليا كما يدفع السودانيون اليوم ثمن ما أجرموا يحق أحرار اليمن من أجل صدّهم عن خياراتهم المصيرية، وإعادتهم صاغرين كما اعتقد من أسس أساس العدوان إلى ما كانوا عليه في عهد العميل علي عبد الله صالح، وهيهات أن يحصل ذلك بعدما وعى اليمنيون ودخلوا تاريخ الأمّة الإسلامية المعاصر دخول أحرارها وحاملين وراء عزها في الدفاع عن خياراتها ومستقبلها.

السودان_الفاشر.jpg