واقعة كربلاء ذلك الجرح الذي لم يندمل



تُمثل ملحمة كربلاء في واقعة الطف الأليمة لحظة مفصلية في تاريخ الأمة الإسلامية، لِما تنطوي عليه من أبعاد عقدية وسياسية وأخلاقية. لقد استطاع الحسين أن يُجسّد المثال الأعلى في الإيثار والصبر والثبات على الحق، فكان استشهاده بدايةً لحركة وعي استمرت لقرون. ومن خلال هذه الواقعة، تشكّل الوجدان الشيعي حول مركزية أهل البيت (عليهم السلام)، وضرورة مناهضة الفساد والانحراف في الحكم.
فواقعة الطف ليست مجرد ذكرى، بل هي نبض متجدد في قلب كل مؤمن بالحق، وصرخة خالدة في وجه كل طاغية. وهي كذلك دعوة دائمة لمراجعة الذات، والانحياز للمبادئ، والانتصار للعدالة مهما كانت التضحيات. 
إن ملحمة الطف ليست مجرد حدث تاريخي بل تمثل محطة كبرى في تشكيل الوعي الديني والأخلاقي. لقد أصبح الحسين (عليه السلام) رمزًا للثورة ضد الظلم، ومثالًا أعلى للتضحية في سبيل المبادئ. ويُنظر إلى استشهاده كامتداد لرسالة النبي (صلى الله عليه وآله)، لأن ما قام به هو "إصلاح في أمة جده"، كما قال بنفسه – ما معناه - [لم اخرج أشرا ولا بطرا، وإنما أطلب الإصلاح في أمة جدي]. 
هذا الموقف وهذا الإصرار أسّسا لمفهوم "الثورة الحسينية"، الذي لا ينحصر في زمان ومكان معين، بل يُعبّر عن موقف مستمر في وجه الطغيان، سواء أكان سياسيًا أو اجتماعيًا. ومن هنا نشأت طقوس عاشوراء، التي تحمل في طياتها معاني الإحياء والتجديد الروحي، وليس مجرد الحزن أو البكاء. كما أن الأدب الشيعي، والخطاب الديني، والممارسات المجتمعية كلّها تبلورت حول هذه الفكرة، لتُصبح كربلاء مدرسة للمقاومة والوفاء.
حيث أن واقعة الطف لا يمكن فهمها بمعزل عن السياق السياسي والديني الذي سبقها. فبعد وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، دخلت الأمة الإسلامية في مرحلة انتقالية أدّت إلى نشوء خلافات حول المرجعية والقيادة. فمن وجهة نظر اتباع اهل البيت (عليهم السلام)، فإن أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) يمثلون الامتداد الطبيعي لقيادة الأمة، باعتبارهم المعصومين والمفسرين الحقيقيين للشريعة. وبهذا، تشكّلت رؤية مفادها أن الإمامة الإلهية في ذرية علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء (عليهما السلام) هي الضمانة لحفظ الدين من الانحراف. 
في المقابل، تبلورت الدولة الأموية بقيادة معاوية بن أبي سفيان، وهي دولة اعتمدت على التوريث السياسي بعيدًا عن مبدأ الشورى أو النص. ومع موت معاوية، تم تثبيت ابنه يزيد على رأس السلطة، وهو ما رفضه الكثير من المسلمين آنذاك، وعلى رأسهم الحسين بن علي (عليه السلام). لم يكن الرفض مجرد معارضة شخصية، بل كان قائمًا على أساس ديني وأخلاقي، إذ لم يُرَ في يزيد شخصًا مؤهلًا لقيادة الأمة، لما اشتهر عنه من الفسق والاستهانة بقيم الإسلام. 
بدأت شرارة الواقعة حينما جاءت كتب أهل الكوفة إلى الإمام الحسين، تُبدي الولاء وتدعوه للقدوم كي يُبايعوه إمامًا شرعيًا. وبعد أن أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل لاستطلاع الأوضاع، غُدِر به من قبل السلطات الأموية، فاستشهد قبل أن يتمكّن من تنظيم المقاومة. رغم علم الإمام الحسين بالخطر، إلا أنه قرر المضي إلى الكوفة مع أهل بيته وأصحابه، مؤمنًا بأن خروجه هو تكليف شرعي لإحياء الدين وإنقاذ الأمة من الضياع. 
في العاشر من محرم سنة 61 هـ، وقعت الكارثة، حيث قام جيش يزيد بقيادة عمر بن سعد بمحاصرة الحسين في أرض كربلاء ومنعه من الماء، في واحدة من أبشع صور الظلم التي عرفها التاريخ. ورغم قلة العدد، أبدى أصحاب الحسين بطولة فريدة وإيمانًا عميقًا بمبادئهم، واستُشهدوا واحدًا تلو الآخر، حتى بقي الحسين وحده، يُقاتل دفاعًا عن الحق. قُتل الحسين مظلومًا، وسُبي أهل بيته، في مشهد  ترك أثرًا عميقًا في الوجدان الإسلامي وجرحا لم ولن يندمل، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فإنا لله وانا اليه راجعون.
مالك
سلام عليكم أستاذنا الفاضل الموقر.. أعلاه المقال الذي طلبتموه، أرجو أن ينال إعجابكم.

الامام-الحسين-عليه-السلام-1536x1024.jpg