استيقظت في عالم لا يشبه العالم
رائحة الكافور تملأ الهواء، والسكينة تغطي المكان كعباءة من غمام.
هناك أرفف خشبية ممتدة، وجثمانان ساكنان، ملفوفان بأكفان سكرية كأنهما نسختان من الصمت.
غير أن تشييعهما تأجل ليوم أو أكثر
لكنهما مازالا طريين وكأنهما غادرا هذا العالم للتو
اقتربت بخطى حذرة، مددت بصري بينهما،
وإذ بي أرى ملامح وجهي تتسرب من بين طيات الكفن الأيسر.
ارتجف قلبي — كيف لي أن أكون هناك وأنا هنا؟
هل أنا الميتة أم الشاهدة على موتي؟
لم أجد جوابا
هرعت نحو عالم أعرفه، نحو طيف الحياة.
رأيت طالبتين من طالباتي، كل منهما تجلس ببيتها
كانتا منشغلتين بحياتهما اليومية.
ناديتهما بصوت يشبه الهمس
"لقد توفيت، لكنني لم أُدفن بعد... اقرآ لي سورة (الواقعة وص ويس) قبل أن يطويني التراب."
بادلتاني النظرات... دهشة صامتة، وكأن كلامي نطق من فم غائب في البرزخ.
عدت إلى الأرفف.
الجثمانين ما زالا في سكونهما، لكن عينيّ لم تخطئا ما جرى بعدها:
أحد الجسدين تحرك، فتح عينيه المطفأتين،
ثم أخذ يتلمس كفنه ببطء يبحث عن طريق إلى النور
وما لبث الآخر أن لحق به
نهضا على أقدامهما
ارتفعت دهشة ورعبا، لكن قلبي لم يصرخ.
كان في داخلي يقين يقول لي بأن الموت ليس آخر الحكاية.
في غمرة هذا التيه، وجدت نفسي في بيت أعرفه، بيت إحدى طالباتي.
العائلة تجتمع حول المائدة تعد وجبة خفيفة،
وكان الهواء يعبق برائحة القمح المحمص والانتظار.
قالوا إنها وجبة إفطار لمستمعي مجلس الحسين "عليه السلام".
جلست بينهم أساعدهم في إعداد الطعام،
أمد يدي إلى العجين وأرتب الأواني،
بينما سر عميق يثقل صدري
لم أخبرهم بعد أنني مت
كنت أتحرك بينهم بخفة ظل، وكأن روحي ترفض فكرة أنها غادرت الجسد،
وأسمع في داخلي تلاوة متقطعة لسور ثلاث
(الواقعة... ص... ويس...)
وحوار بيني وبيني...
ما حسبته نهاية هو البداية
وأن الأرواح لا تدفن
عرفت سر الرجوع إلى الله
انفتحت لي نافذة على المعنى، وسمعت الوجود يهمس في أذني:
"من استيقظ قبل أن يموت أفلح"
ابتسمت لذلك النداء، وشعرت أني أتنفس للمرة الأولى رغم الموت،
كأن روحي عثرت على وطنها القديم في أبدية النور، حيث لا تفرق الأكفان بين الأحياء هنا والأحياء هناك.
